يترك فمظالم العباد أي لا يترك المطالبة به والمؤاخذه عليه، والضرب السادس من الذنوب ما كان بين العبد وبين مولاه من نفسه إلى نفسه متعلّق بالشهوات والجري في العادات وهذه أخفها وإلى العفو أقربها، وهذه على ضربين كبائر وصغائر، فالكبائر ما نصّ عليه بالوعيد وما وجبت فيه الحدود، والصغائر دون ذلك إلى نطرة وخطرة والتوبة النصوح تأتي على الجميع ذلك بعموم قوله تعالى: (فتاب عليكم وعفا عنكم) وبإخباره عزّ وجلّ عن حكمه إذ يقول: ثم تاب عليهم ليتوبوا، وبظاهر قوله تعالى (إنَّ الَذين فَتَنُوا المُؤْمنينَ والْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا) البروج: 10، ومثله: (ثُمَّ إنَّ رَبَّك لِلَّذينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا) النحل: 110 إلى قوله: (إنَّ رَبَّك مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحيمٌ) النحل: 110 هكذا قراءة أهل الشام بنصب الفاء والتاء ولأن البغية من التوبة إذا كانت غفران الذنب والزحزحة عن النار ونحن لا نرى أبدية الوعيد على أهل الكبائر بل نجعلهم في مشيئة الله ونجوز تجاوز الله تعالى عنهم في أصحاب الجنة، كما جاء في الخبر في تفسير قوله تعالى: (فَجَزاؤهُ جَهَنَّمُ خالدِاً فِيها) النساء: 93، أي إن جازاه، وكما روينا عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من وعده الله تعالى على عمل ثواباً فهو منجزه له ومن وعده على عمل عقاباً فهو فيه بالخيار إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه، وكما قال ابن عباس رضي الله عنه: يغفر لم يشاء الذنب العظيم ويعذّب من يشاء على الذنب الصغير، وقد قال الله تعالى: (إنَّ الله لا يغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بهِ ويَغْفِرُ ما دُونَ ذلك لمِنْ يشاءُ) النساء: 48، فلم يجد للمغفرة ذنباً غير الشرك وترك المسلمين مع سائر الذنوب في مشيئته فقد يحتج محتج بالخبر المأثور في ترك قبول توبة المبتدع إن الله تعالى احتجر التوبة على كل صاحب بدعة فهذا مخصوص لمن لم يتب ممّن حكم عليه بدرك الشقاء، ألا ترى أنه لم يقل إن الله تعالى احتجر قبول التوبة عمّن تاب إنما أخبر عن حكم الله تعالى فيمن لم يتب بأن الله تعالى حجب التوبة عنه، فهكذا نقول أيضاً: إن القاتل إذا كان قد سبق له سوء الخاتمة بأنه يموت على غير توحيد، وكذلك المبتدع إن جعل اسمه في أصحاب النار ثم كان القتل والبدعة علامة ذلك وسببه أنهما جميعاً ممنوعان من التوبة فإنها محتجرة عنهما، سورة وكذلك القول فيمن حقْت عليه كلمة العذاب بسبق سوء الخاتمة فلو أنه تاب سبعين توبة لم تنقذه من النار وليست توبته بأكثر من قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة سبعين سنة حتى يقول الناس: إنه من أهلها ولا يبقى بينه وبينها إلا شبر ثم يدركه الشقاء.

وفي لفظ آخر: ثم يسبق عليه الكتاب بعمل أهل النار فيدخلها فقد دخلت التوبات في صالح أعماله الحسنات ثم أحبطها عنه في جملة عمله بسبق الكتاب بالشقاء له، وأما من لم يسبق له سوء الخاتمة ووهب له التوبة النصوح ولم يدركه الشقاء فإنها لم تحتجر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015