مخالفة وحتى يشهد له العلم بالوفاء فتبقى حينئذ ذنوبه من مطالعة علم الله تعالى فيه لما أستأثر به عنه من علم غيبه يكاشفه به ومن معنى نفس العبودية وكون الخلقة عن تسليط الربوبية بوصفها وكبرها فيكون هذا الخوف مثوبة له لما فزع من علم نفسه إلى ما لا يمكن ذكره ولا يعرف نشره من ذنوب المقربين التي هي صالحات أصحاب اليمين لفقد مشاهدتها وللجهل بمعرفة مقاماتها عند العموم فيكون حال هذا المقرب الإشفاق من البعد في كل طرفة ونفس إلى وقت اللقاء والخوف من الإعراض والحجب في كل حركة وهم في هذه الدار إلى دار البقاء.
وقد روينا في خبر غريب: إن الله عزّ وجلّ أوحى إلى يعقوب عليه السلام أتدري لم فرقت بينك وبين يوسف، قال: لا، قال: لقولك لإخوته إني أخاف أن يأكله الذئب لم خفت عليه الذئب ولم ترجني له ولم نظرت إلى غفلة إخوته ولم تنظر إلى حفظي له فهذا معنى قول يوسف للساقي: اذكرني عند ربك، قال الله تعالى: (فأنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكرَ رَبِّهِ فَلبِثَ في السِّجْنِ بَضْعَ سِنينَ) يوسف: 42، فهذا مما يعتب على الخصوص من خفي سكونهم ولمح نظرهم إلى ما سوى الله تعالى وإنما حرم بعض التابعين ذلك المزيد ولم يجدوا حلاوة التوبة لتهاونهم بحال الرعاية وتسامحهم بترك حسن القيام بشاهد المراقبة وذلك يكون من قلة أحكام أمر التوبة ولو قاموا بحكم التوبة من الذنب الواحد وأحكموا حال توّاب من الصادقين في التوبة لم يعدموا من الله تعالى المزيد لأنهم محسنون فهم في تجديد، قال الله تعالى: (سَنَزيدُ الْمُحْسِنينَ) البقرة: 58 فإذا رآك مستقيماً على التوبة عاملاً بالصالحات ولم تجدك على مزيد من مبرّات بوجد حلاوة أو حسن خليقة أو عروض زهد أو خاصية معروفة فارجع إلى باب المرقبة أو موقف الرعاية فتفقدهما وأحكم حالهما فمن قبلهما أتيت، وقال بعض العلماء: من تاب من تسعة وتسعين ذنباً ولم يتب من ذنب واحد لم يكن عندنا من التائبين ولا تغفلن عن التفقد وتجديد التوبة إدبار الصلوات فإنما دخل الخسران على العمال من حيث لا يعلمون من تركهم التفقد ومحاسبة النفس وبمسامحتها مما يعملون، واعلم أن حقيقة كل ذنب عشرة أعمال لا يكون العبد توّاباً يحبه الله تعالى ولا تكون توبته نصوحاً التي شرطها الله تعالى وفسرتها النبوّة إلا أن يحكم العبد عشر توبات من كل ذنب أولها ترك العود إلى فعل الذنب ثم يتوب من القول به ثم يتوب من الاجتماع مع سبب الذنب ثم التوبة من السعي في مثله ثم التوبة من النظر إليه ثم التوبة من الاستماع إلى القائلين به ثم التوبة من الهمة ثم التوبة من التقصير في حق التوبة ثم التوبة من أن لا يكون أراد وجه الله تعالى خالصاً بجميع ما تركه لأجله ثم التوبة من النظر إلى التوبة والسكون إليها والإدلال بها ثم يشهد بعد ذلك تقصيره عن القيام بحق الربوبية لعظيم ما يشهد بالمزيد من الإشراف على التوحيد من كبير جلال الله تعالى وعظم كبريائه فتكون