رضي الله عنه يقول: إن بين العبد وبين ربه عزّ وجلّ حداً من المعاصي معلوماً إذا بلغه العبد طبع على قلبه فلم يوفقه بعدها للخير، وفي حديث ابن عمر: الطابع معلق بقائمة العرش فإذا انتهكت الحرمات واستحلت المحارم أرسل الله تعالى الطابع فطبع على القلوب بما فيها، وفي حديث مجاهد: القلب مثل الكف المفتوحة فكلما أذنب ذنباً انقبضت أصبع حتى تنقبض الأصابع كلها فتشد على القلب فذلك هو القفل، ويقال لكلّ ذنب نبات ينبت على القلب فإذا كثرت الذنوب قام النبات حول القلب مثل الكمّ للثمرة فانضمّ على القلب فذلك هو الغلاف، ويقال: إنه الكنان أحد الأكنة التي ذكر الله تعالى أن القلب لا يسمع معها ولا يفقه، وقد حدثني بعض هذه الطائفة عن أبي عمرو بن علوان في قصة تطول قال فيها: فكنت قائماً أصلّي ذات يوم فخامر قلبي هواء طاولته بفكري حتى تولد منه شهوة الرجل قال: فوقعت إلى الأرض واسودّ جسدي كله فاستترت في البيت ثلاثة أيام فلم أخرج وقد كنت أعالج غسله في الحمام بالصابون والألوان الغاسلة فلا يزداد إلا سواداً قال ثم انكشف عني بعد ثلاث فرجعت إلى لوني البياض قال: فلقيت أبا القاسم الجنيد رحمه الله وكان وجه إلي فأشخصني من الرقة فلما أتيته قال لي: أما أستحيت من الله تعالى كنت قائماً بين يديه فسامرت نفسك شهوة حتى استولت عليك برقة فأخرجتك من بين يدي الله تعالى لولا أني دعوت الله عزّ وجلّ لك وتبت إليه عنك للقيت الله تعالى بذلك اللون قال فعجبت كيف علم بذلك، وهو ببغداد وأنا بالرقة ولم يطلع عليه إلا الله عزّ وجلّ، فذكرت هذه الحكايات لبعض العلماء فقال: كان هذا رفقاً من الله تعالى به وخيرة له إذ لم يسودّ قلبه وظهر السواد على جسده ولو بطن في قلبه لأهلك ثم قال: ما من ذنب يرتكبه العبد يصرّ عليه إلا اسودّ القلب منه مثل سواد الجسم الذي ذكره لا يجلوه إلا التوبة ولكن ليس كل عبد يصنع له صنع ابن علوان ولا يجد من يلطف له به مثل أبي القاسم الجنيد رحمه الله ولكل ّ ذنب عقوبة إلا أن يعفو الله والعقوبة ليست على قدر الذنب ولا من حيث يعلم العبد لكنها على تقدير المشيئة وعن سابق علم الربوبية فربما كانت في قلب وهي من أمراض القلوب وربما كانت في الجسد وقد تكون في الأموال والأهل وتكون في سقوط الجاه والمنزلة من عيون علماء الإسلام والمؤمنين وقد تكون مؤجله في الآخرة وهذه أعظم العقوبات وهي لأهل الكبائر من الموبقات الذين ماتوا عن غير توبة ولأهل الإصرار والعزة والاستكبار لأنها إذا كانت في الدنيا كانت يسيرة على قدر الدنيا وإذا تأخرت كانت عظيمة على قدر الآخرة.
وفي الخبر: إذا أراد الله تعالى بعبد خيراً عجّل له عقوبة ذنبه وإذا أراد به شراً أخره حتى يوافي به الآخرة، وأعلم أن الغم على ما يفوت من الدنيا والهم بالحرص عليها من العقوبات والفرح والسرور بما نال من الدنيا مع ما لا يبالي ما خرج من دينه من