ولم يفعل وقيل: بل أحب بقلبه أن يكون الحكم لأبيها على خصمه لمكانها فسلب ملكه أربعين يوماً فهرب تائهاً على وجهه وكان يسأل بكفه فلا يطعم فإذا قال: أطعموني فإني سليمان بن داود شج وضرب، ولقد بلغني أنه استطعم من بيت فطرد وبزقت امرأة في وجهه، وفي رواية قال: فأخرجت إليه عجوز جرة فيها بول فصبته على رأسه إلى أن خرج له الخاتم من بطن الحوت فلبسه بعد انقضاء الأربعين وهي أيام العقوبة قال: فجاءت الطير فعكفت عليه وجاءت الجنّ والشياطين والوحوش فاجتمعت حوله، فلما عرفه الصيادون عقروا بين يديه واعتذروا إليه مما كانوا طردوه وشجوه فقال: لا ألومكم فيما صنعتم قبل ولا أحمدكم فيما تصنعون الآن، هذا أمر من السماء فلا بدّ منه ولقد بلغني أنه كان في مسيره والريح تحمله في جنوده إذ نظر إلى قميصه نظرة وكان عليه قميص جديد فكأنه أعجبه فوضعته الريح بالأرض فقال لها لم فعلت ولم آمرك قال: إنما نطيعك إذا أطعت الله تعالى.
وقد قال بعض العلماء في معنى هذا: من خاف الله تعالى خافه كل شيء، ومن خاف غير الله تعالى أخاف الله تعالى من كل شيء، فكذلك أيضاً: من أطاع الله تعالى سخّر له كل شيء ومن عصاه سخّره لكل شيء أو سلط عليه كل شيء ولو لم يكن في الإصرار على المعصية من الشؤم إلا أن كلّ ما يصيب العبد يكون له عقوبة إن كان سعة عوقب بذلك ولم يأمن بها الاستدراج وإن كان ضيقاً كان عقوبة له، وفي الخبر أن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، وقد قيل: الرزق من الحرام من قلة التوفيق للأعمال الصالحة، وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: إني لأحسب أن العبد ينسى العلم بالذنب يصيبه ولو لم يكن من بركة التوبة والعلم والاستقامة على الطاعة إلا أن كل ما يصيب العبد فهو خير له إن: كان سعة فهو رفق من الله تعالى به عليه ولطف له منه وإن كان ضيقاً فهو اختبار من الله تعالى وخيره للعبد ويجد حلاوة ذلك ولذته لأنه في سبيله وقد أصابه وهو مقيم على طاعته ولو لم يكن من شؤم الناس ووجد النقص لمخالطتهم إلا أن المعصية معهم أشد وهي بهم أعظم لتعلق المظالم في أمر الدنيا وشأن الدين وكل من قلّت معارفه قلّت معهم خطاياه، وقال بعض السلف: ليست اللعنة سواداً في الوجه ونقصاً في المال إنما اللعنة أن لا يخرج من ذنب إلا وقع في مثله أو شّر منه وذلك أن اللعنة هي الطرد والبعد فإذا طرد من الطاعة فلم تيسر له بعد عن القربات فلم يوفق لها فقد لعن.
وقد قيل في معنى الخبر الذي رويناه آنفاً: إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه قيل: إن يحرم الحلال ولا يوفق له بوقوعه في المعصية وقيل: يحرم مجالسة العلماء ولا ينشرح قلبه لصحبة أهل الخير وقيل: يمقته الصالحون وأهل العلم بالله تعالى فيعرضون عنه وقيل: يحرم العلم الذي لا صلاح للعمل إلا به لأجل إقامته على الجهل، ولا تنكشف له الشبهات بإقامته على الشهوات بل تلتبس عليه الأمور فيتحير فيها بغير عصمة من الله