على مذهبه في التوسعة أنه أخرج حديثه كله في المسند المأثور عنه الذي رويناه عن أشياخنا عن ابنه عبد الله عنه ولم يعتبر الصحيح منه وفيه أحاديث كثيرة يعلم الثقات أنها ضعيفة وهو أعلم بضعفها منهم ثم أدخلها في مسنده لأنه أراد تخريج المسند ولم يقصد تصحيح السند فاستجاز رواياتها كما سمعها وقد كان قطع أن يحدث الناس في سنة ثمان وعشرين وتوفي في سنة إحدى وأربعين فلم يسمع أحد منه في هذه المدة إلا ابنه عبد الله وابن منيع جزءاً واحداً بشفاعة جده أحمد بن منيع، وحدثونا عنه أعني الإمام أحمد قال: كان عبد الرحمن ينكر الحديث ثم يخرج إلينا بعد وقت فيقول: هو صحيح قد وجدته، قال: وأما وكيع فلم ينكر ولكن يقول إذا سئل عنه لا أحفظه، وحدثونا عن ابن أخت عبد الرحمن بن مهدي قال: كان خالي قد خط على أحاديث ثم صحح عليها بعد ذلك وقرأتها عليه فقلت: قد كنت خططت عليها قال: نعم، ثم تفكرت فإذا إني إن ضعفتها أسقطت عدالة ناقليها فإن جاءتني بين يدي الله تعالى وقال: لم أسقطت عدالتي رأيتني سمعت كلامي لم يكن لي حجة، هذا كان مذهب الورعين من السلف، وقد كان بعضهم يقول: كنا نترك مجالسة شعبة لأنه كان يدخلنا في الغيبة وإنما كان كلامه في التضعيف وقال بعضهم في تضعيف الرواة: إن خلصت نيتك يعني أن أردت الله عزّ وجلّ والدين بذلك لم يكن لك ولا عليك فهذه الفصول الذي ذكرناها هي أصول في معرفة الحديث وهو علم لأهله وطريق هم سالكوه ثم حدثت قوم لم يكن لهم علم يختصون به ولا حال من علم يوصفون به ولا شغل من عبادة تقطعهم فجعلوا لنفوسهم علماً تشاغلوا به وشغلوا من استمع إليهم فصنفوا كتباً وأخذوا يتكلمون في نقلة الأخبار بالتعليل وتتبع العثار فطرقوا لأهل البدع إلى ردّ السنن وإيثار الرأي والمعقول عليها لما يرون من طعنهم فيها واغتبطوا بالقياس والنظر لما وجدوا من زهدهم في السنة والخبر سيما في زمانك هذا والأحاديث في الترغيب في الآخرة والتزهيد في الدنيا والترهيب لوعد الله تعالى وفي فضائل الأعمال وتفضيل الأصحاب متقبلة محتملة على كل حال مقاطيعها ومراسيلها لا تعارض ولا ترد، وكذلك في أهوال القيامة ووصف زلازلها وعظائمها لا تنكر بعقل بل تتقبل بالتصديق والتسليم كذلك كان السلف يفعلون لأن العلم قد دلّ على ذلك والأصول قد وردت به، وقد روينا من بلغه عن الله فضيلة أو عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعمل به أعطاه الله ثواب ذلك وإن لم يكن ما قيل والخبر الآخر من روى عني حقاً فأنا أقوله وإن لم أكن قلته ومن روى باطلاً فإني لا أقول بالباطل، وفي كل ما رسمنا من هذا الكتاب نقول: الله أعلم وأحكم وعلمه المقدم وعنده حقائق العلوم وإليه ترجع الأمور وما شاء كان والله المستعان ولا حول ولا قوّة إلا بالله، وهذا آخر كتاب العلم وتفصيل العلوم ووصف طريق السلف ونشر ما أحدث بعدهم الخلف.