خبزهم وهم لا يصبرون عن الخبز يعني أن أول التوبة أكل الحلال وقد روينا في خبر يأتي على الناس زمان يضلون فيه دينهم فلا يعرفونه يصبح الرجل على دين ويمسي على دين يضل أمره على غير يقين وتسلب عقول أكثر أهل ذلك الزمان وأوّل ما يرفع عنهم الخشوع ثم الإجابة ثم الورع ويقال: أوّل ما يرفع من الناس الأُلْفة.
كان الناس قديماً إذا التقوا يقول أحدهم: لصاحبه ما خبرك وما حالك؟ يعنون بذلك ما خبر نفسك في مجاهدتها وصبرها وما حال قلبك من مزيد الإيمان وعلم اليقين ويريدون أيضاً ما خبرك في المعاملة لمولاك وما حالك في أمور الدنيا والآخرة هل ازددت أم انتقصت فيتذاكرون أحوال قلوبهم ويصفون أعمال علومهم ويذكرون ما وهب الله تعالى لهم من حسن المعاملة وما فتح لهم من غرائب الفهوم فكان هذا من تعديد نعم الله تعالى عليهم ومن جميل شكرهم ويكون مزيداً لهم في المعرفة والمعاملة، وقد كان بعضهم يقول: أكثر علومنا ومواجيدنا ما يعرفه بعضنا من بعض وما يخبر به أحدنا أخاه إذا التقينا فقد جهل هذا اليوم فترك، فهم إذا تساءلوا عن الخبر والحال إنما يريدون به أمور الدنيا وأسباب الهوى ثم يشكو كل واحد مولاه الجليل سبحانه وتعالى إلى عبده الذليل ويتسخط أحكامه ويتبرأ بقضائه وينسى نفسه وما قدمت يداه فمثله كما قال تعالى: (ومَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بآيَاتِ رَبِّهِ فَأعْرَضَ عَنْها وَنسِيَ ما قَدَّمَتْ يداهُ) الكهف: 57، وكما قال تعالى: (إنّ الإنسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُود) العاديات: 6 قيل كفور بنعمته يعدد المصائب وينسى النعم كل ذلك جهالة بالله تعالى وغفلة عنه، ومنه قولهم: الآن كيف أصبحت وكيف أمسيت؟ هذا محدث، إنما كانوا إذا التقوا قالوا: السلام عليكم ورحمة الله.
وفي الخبر: من بدأكم بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه وإنما حدث هذا في زمان الطاعون الذي كان يدعى طاعون عمواس بالشام من الموت الذريع، كان الرجل يلقى أخاه غدوة فيقول كيف أصبحت من الطاعون ويلقاه عشية فيقول كيف أمسيت منه لأن أحدهم كان إذا أصبح لم يمسِ وإذا أمسى لم يصبح، فبقي هذا إلى اليوم ونسي سببه وكان من عرف حدوثه من المتقدمين يكرهه، حدثونا عن أحمد بن أبي الحواري قال: قال رجل لأبي بكر بن عياش: كيف أصبحت أو كيف أمسيت فلم يكلمه، وقال: دعونا من هذه البدعة قال: وقلت لبعض السلف: كيف أصبحت فأعرض عني وقال ما كيف أصبحت قل بالسلام.
وروى أبو معشر عن الحسن رضي الله عنه إنما كانوا يقولون السلام عليكم سلمت والله القلوب، فأما اليوم كيف أصبحت أصلحك الله كيف أمسيت عافاك الله، فإن أخذنا بقولهم كانت بدعة ألا ولا كرامة فإن شاؤوا غضبوا علينا ومن ذلك ابتداء الرجل في عنوان الكتاب باسم المكتوب إليه وإنما السنة أن يبتدئ بنفسه فيكتب من فلان إلى فلان،