والاقتداء بهم في أعمال القلوب، وقد قال الله تعالى: (ومَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّن دَعا إلى الله وَعَمِل صالحِاً) فصلت: 33، وكما قال تعالى: (أُدْعُ إلى سبيلِ رَبِّكَ بالْحِكْمَةِ) النحل: 125، وكما أمره بالدعاء وأشرك معه أتباعه في الدعاء إلى الله تعالى لا في البصيرة فقال تعالى: (قُلْ هذِهِ سبيلي أدْعُوا إلى الله على بصيرةٍ أنا وَمَنِ اتَّبعني) يوسف: 108، ويحشرون يوم القيامة مع الأنبياء كما قال تعالى: (فأُولئكَ مع الَّذينَ أنْعَمَ الله عليْهِمْ مِن النَّبِيّين) النساء: 69، وما قال تعالى: (وَجيء بالَّنبِيّينَ والشُّهداءِ) الزمر: 69، ثم فسره فقال بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء.
وقد روينا معناه عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أقرب الناس من درجة النبوّة أهل العلم وأهل الجهاد، أما أهل العلم فدلوا الناس على ما جاءت به الأنبياء وأما أهل الجهاد فجاهدوا بأسيافهم على ما جاءت به الرسل وعلماء الدنيا يحشرون مع الولاة والسلاطين، وقد قال بعض السلف: العلماء يحشرون في زمرة الأنبياء والقضاة يحشرون في زمرة السلاطين، وكان إسماعيل بن إسحاق القاضي من علماء أهل الدنيا ومن سادة القضاة وعقلائهم وكان مؤاخياً لأبي الحسن بن أبي الورد، وكان هذا من أهل المعرفة فلما ولّى إسماعيل القضاء هجره ابن أبي الورد ثم إنه اضطر إلى أن دخل عليه في شهادة فضرب بن أبي الورد يده على كتف إسماعيل القاضي وقال: يا إسماعيل علم أجلسك هذا المجلس لقد كان الجهل خيرًا منه، فوضع إسماعيل رداءه على وجهه وجعل يبكي حتى بلّه، وعلماء الظاهر هم زينة الأرض والملك وعلماء الباطن زينة السماء والملكوت وعلماء الظاهر أهل الخبر واللسان وعلماء الباطن أرباب القلوب والعيان.
وقال بعض العلماء: لما خلق الله تعالى اللسان قال هذا معقل خبري إن صدقني نجيته ولما خلق الله تعالى القلب قال هذا موضع نظري إن صفا لي صافيته، وقال بعض الخلف: الجاهل ينجو بالعلم والعالم ينجو بالحجة والعارف ينجو بالجاه، وقال بعض: العارفين: علم الظاهر حكم وعلم الباطن حاكم، والحكم موقوف حتى يجيء الحاكم يحكم فيه، وقد كان علماء الظاهر إذا أشكل عليهم العلم في مسألة لاختلاف الأدلة سألوا أهل العلم بالله لأنهم أقرب إلى التوفيق عندهم وأبعد من الهوى والمعصيةمنهم: الشافعي رحمه الله تعالى كان إذا اشتبهت عليه المسألة لاختلاف أقوال العلماء فيها وتكافؤ الاستدلال عليها رجع إ لى علماء أهل المعرفة فسألهم قال: وكان يجلس بين يدي شيبان الراعي كما يجلس الصبي بين يدي المكتب ويسأله كيف يفعل في كذا وكيف يصنع في كذا فيقال له مثلك يا أبا عبد الله في علمك وفقهك تسأل هذا البدوي فيقول: إن هذا وفق لما علمناه، وكان الشافعي رحمه الله قد اعتلّ علة شديدة وكان يقول: اللهم إن كان في هذا رضاك فزدني منه فكتب إليه المعافري من سواد مصر: يا أبا عبد الله لست وإياك من