وقد روينا في خبر أن الشيطان ربما سبقكم بالعلم، قلنا: يا رسول الله كيف يسبقنا بالعلم؟ قال: يقول اطلب العلم ولا تعمل حتى تعلم فلا يزال في العلم قائلاً وللعمل مسوفاً حتى يموت وما عمل، ففي هذا الخبر دليلان، أحدهما أنه أريد به طلب فضول العلم الذي لا نفع له في الآخرة ولا قربة في طلبه من الله والثاني أن العلم المفضل المندوب إليه إنما هو الذي يقتضي العمل لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يأمر بعمل بغير علم ولايكره طلب علم للعمل به ألا تسمع إلى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الخبر الآخر: فضل من علم أحب إليّ من فضل من عمل وخير دينكم الورع.
ذكر فضل علم المعرفة واليقين على سائر العلوم وكشف طريق علماء السلف الصالح من علماء الدينا والآخرة
قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ألوف من صحابته كلهم علماء بالله فقهاء عن الله تعالى أهل رضوان من الله تعالى ولم ينصب نفسه إلى الفتيا ولا حملت عنه الأحكام والقضايا إلا بضعة عشر رجلاً، وكان ابن عمر إذا سئل عن الفتيا قال: اذهب إلى الأمير الذي تقلّد أمور الناس فضعها في عنقه، وروى ذلك عن أنس ثم جماعة من الصحابة والتابعين بإحسان، وكان ابن مسعود يقول: إن الذي يفتي الناس في كل ما يستفتونه لمجنون، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يسأل عن عشر مسائل فيجيب عن مسألة ويسكت عن تسعة، وكان ابن عباس على ضد ذلك كان يسئل عن عشرة فيجيب في تسعة ويسكت عن واحدة، وكان من الفقهاء من يقول لا أدري أكثر من أن تقول أدري، منهم: سفيان الثوري ومالك بن أنس وأحمد بن حنبل وفضيل بن عياض وبشر بن الحرث رضي الله عنهم، وكانوا في مجالسهم يجيبون عن بعض ويسكتون عن بعض ولم يكونوا يجيبون في كل ما يُسألون عنه.
وروينا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: أدركت في هذا المسجد مائة وعشرين من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما منهم من أحد يسأل عن حديث أو فتيا إلا ودّ أن أخاه كفاه ذلك، وفي لفظ آخر كانت المسألة تعرض على أحدهم فيردها إلى الآخر ويردها الآخر للآخر حتى يرجع إلى الذي سئل عنها أول مرة، وروي عن ابن مسعود وابن عمر وغيرهما من التابعين، وقد روينا مسند ألا يفتي الناس إلا ثلاثة: أمير أو مأمور أو متكلّف، تفصيل ذلك أن الأمير هو الذي يتكلم في علم الفتيا والأحكام كذلك كان الأمراء يسئلون ويفتون والمأمور الذي يأمره الأمير بذلك فيقيمه مقامه ويستعين به لشغله بالرعية والمتكلف هو القاصّ الذي يتكلم في القصص السالفة ويقص أخبار من مضى لأن ذلك لا يحتاج إليه في الحال ولم يندب إليه من العلوم وقد تدخله الزيادة والنقصان والاختلاف، فلذلك كره