الحجاب وجعل مكاناً للأحكام بالعقاب والثواب فالأسباب أواسط البلاء والعبد موضع الابتلاء.
والأوّل سبحانه وتعالى هوالمبلي المريد المبدئ المعيد وينشئكم فيما لا تعلمون وليبلي المؤمنين منه بلاءً حسناً وليس يشهد العبد إلا ما أشهد فكذلك تفاوت العباد في المشاهدة ولا يستبين له إلا ما أبين له وأريد به فعند ذلك اختلفوا في الأدلة فإذا أراد اللَّه عزّ وجلّ إظهار شيء من خزائن الغيب حرك النفس بلطيف القدرة فتحركت بإذنه فقدح من جوهرها بحركتها ظلمة تكتب في القلب همة سوء فينظر العدوّ إلى القلب وهو مراصد ينتظر والقلوب له مبسوطة والنفوس لديه منشورة يرى ما فيها ما كان من عمله المبتلي به المصرف فيه فإذا رأى همة قد قدحت في النفس فأثرت ظلمة في القلب ظهر مكانه فقوي بذلك سلطانه والهمة ترد على أحد ثلاث معانٍ لا تحصى فروعها لأن همة كل عبد على قدر بغيته أحدهما هوى وهو عاجل حظ النفس أو أمنيته وهذا عن الجهل الغريزي أو دعوى حركة أو سكون وهو آفة العقل ومحبة القلب، فأي هذه الثلاث قدح في القلب فهو وسوسة نفس وحضور عدوّ منسوب إليه محكوم عليه بالذم ليست تصدر إلا بأحد ثلاثة أصول بجهل، أو غفلة، أو طلب فضول دنيا، وهن مما لا يعني ومضافات إلى الدنيا وأعمالها.
والأفضل مجاهدة النفس والعدوّ عن إمضائها وحبس الجوارح عن السعي فيها إن كنّ من فضول الدنيا المباحات فإن كنّ هذه الثلاث وردن بمحرّمات ففرض عليه كفّ الجوارح عن السعي فيها فإن أمرح قلبه في ذكرها أو نشر خطواته في طلبها كن حجاباً بين قلبه وبين اليقين وإن كنّ وردن بمباحات ففضل له بنفيها عن قلبه كيلا يكون قلبه موطناً للغفلات وأصلهن الابتلاء من اللَّه تعالى بالتقليب والامتحان منه في التصريف ولذلك خلق النفس والروح والموت والحياة وجعل ما على الأرض زينة لها ليظهر أحسن العمل بالزهد فيها وينظر كيف تعملون فإذا أراد اللَّه تعالى سلامة هذا العبد بعد أن أشرف على الهلاك والبعد بتسليط العدوّ عليه وتسويل النفس له نظر القلب عند الابتلاء فهدى النفس بنور إيمانه إلى اللَّه تعلى فأسر الالتجاء إليه وأخفى التوكل عليه عائذاً لائذاً به واضطر مخلصاً له فهناك توكل عليه فكان حسبه وعندها فوّض إليه أمره فوقاه مكر عدوّه وحينئذ اضطر إليه واتقاه فجعل له مخرجاً ونجاه فينظر اللَّه تعالى إلى القلب نظرة تخمد النفس وتمحق الهمة وتخنس العدوّ لسقوط مكانه وتذهب لخنوسه شدة سلطانه فيصفو القلب من التأثير بنور السراج المنير ويملس من التحرير بقوّة القهار العزيز فيخاف العبد مقام الرب لصفاء القلب عن نظر الرب تعالى فيفزع من الخطيئة ويهرب أو يستغفر منها ويتوب ويظهر عليه شعار تقواه.
وإن أراد الله تعالى بعبد هلكة وكان قد حكم بوقوع الشر نظر القلب بعد الهمة