محمولون سابقون مستهترون قد وضعت الأذكار عنهم الأوزار، كما جاء في الخبر: سيروا سبق المفردون بالفتح والمفردون أيضاً بالكسر فهم مفردون للَّه تعالى بما أفردهم اللَّه تعالى كما قال جلّ ذكره: (حَاْفِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بمَا حَفِطَ اللَّهُ) النساء: 34، قيل: ومن المفردون؟ قال: المستهترون بذكر اللَّه وضع الذكر أوزارهم فوردوا القيامة خفافاً، فلما أفردهم اللَّه تعالى ممن سواهم له أفردوه عما سواه به فذكرهم فاستولى عليهم ذكره فاصطلم قلوبهم نوره تعالى فاندرج ذكرهم في ذكره فكان هو الذاكر لهم وكانوا هم المكان لمجاري قدرته عزّ وجلّ فلا يوزن مقدارهذا الذكر ولا يكتب كيفية هذا البر فلو وضعت السموات والأرض في كفة لرجح ذكره تعالى لهم بهما وهم الذين قال لهم فترى من واجهته بوجهي لعلم أحد أي شيء أريد أن أعطيه لوكانت السموات والأرض في موازينهم لاستقللتها لهم أوّل ما أعطيهم أن أقذف من نوري في قلوبهم فيخبرون عني كما أخبر عنهم وهذا هو ظاهر أوصافهم وأوّل عطاياهم فطلب هؤلاء لا يعرف ونصيبهم لا يكيف ومطلوبهم كنه قدره لا يوصف عطاؤهم غير مخلوق ومشاهدتهم وصف التحقيق بعين اليقين إلى حق اليقين فأول نصيبهم من مطلوبهم علم اليقين وهو صفاء المعرفة باللَّه تعالى وآخر علم الإيمان أول عين اليقين وهو مشاهدة وصف معروف وهذه وجهة التوحيد ولا آخر لأول علم اليقين ولا انقطاع لآخر نصيبهم من مشاهدتهم، فظاهر التوحيد توحيد اللَّه تعالى في كل شيء وتوحيده بكل شيء ومشاهدة إيجاده قبل كل شيء ولا نهاية لعلم التوحيد ولا غاية لمزيد عطاء الموحدين ولكن لهم نهايات يوقفون تحتها وغايات يصدرون عنها تجعل أماكن لمزيدهم ويزدادون في وسعها ويمدون بعلوم يطلبون بها ما يكاشفون به لما وراءها أبداً لا بديلاً آخر ولا أمد ولا يصل العبد إلى مشاهدة علم التوحيد إلا بعلم المعرفة وهونور اليقين ولا يعطي نور اليقين حتى تمخض الجوارح بالأعمال الصالحات، كمايمخضُ الزق باللبن حتى تظهر الزبدة، وهي اليقين، وليست هذه الزبدة غاية الطالبين ولا بغية الصديقين لأن وراءها صفوها وخالصها ثم تذاب هذه الزبدة حتى يخلص سمنها وهو صفوها ونهايتها وهذا مثل لعين اليقين بعد علمه وبعد مشاهدة الوجه بمرآة القرب وهي نوره فحينئذ لا يفارقه وجده وحضوره فيرفع العبد من خواطر اليقين إلى مشاهدة الصفات بعد ذوب علم الخواطر يتجوهر نور شعاع وجه الذات وهذا مقام الإحسان وإن اللَّه لمع المحسنين بعد مجاهدتهم النفوس فيه وبيعها مع الأموال منه فأحسن إليهم باشترائها منهم وكان معهم كما قال سيجزيهم وصفهم فإنما كانوا محسنين لأن المحسن معهم كما كانوا أعلين إذ الأعلى معهم فقد قال: (وَأنْتُمُ الأعْلَوْنَ وَاللَّهُ
مَعَكُمْ) محمد: 35 وسئل رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الإحسان فقال: أن تعبد اللَّه كأنك تراه، وينتقل العبد من أعمال الجوارح وهي