من أراد أن يعلم كيف منزلته من اللَّه تعالى فلينظر كيف منزلة اللَّه في قلبه، فإن اللَّه ينزل العبد منه بحسب ما أنزله من نفسه.
ثم يعلم العبد يقيناً أن لكل عمل صالح نعيماً في الجنة وروحاً في البرزخ ولك عمل حسن ومعرفة خالصة مقاماً في الجنة، وقد قسم جزء هناك لعطاء معاملة ههنا وأن لكل عمل سيء وجهل قبيح عذاباً في الآخرة وكرباً في البرزخ ومقاماً من النار قد قسم جزء هناك لعمل ههنا ثم قد أخفى اللَّه ذلك الجزء من الخير والشر وأظهر أعمالهما للحمكين وأبان لهما طريقين يجريان إلى دارين بن حكمة منه ثم قدم المعاملات من المعنيين وأخر المثوبات من النوعين إحكاماً منه للأفعال واستسعاء للعبد بالأعمال ابتلاء منه لتجزي كل نفس بما تسعى منة منه ورحمة وقدرة منه ومحبة لا يسئل عما يفعل لأنه ملك قهار عزيز جبار وهم يسئلون لأنهم عبيد مقهرون وذلل مجبورون ولا تضرب لهم الأمثال لأنه قد جاوز الإحتجاج والاعتدال ولا يسوى بالعبيد لأنه قد فات التقدير والتحديد فله الحجة والقدرة النافذة في كل شيء ليس كمثله شيء في جميع ذلك كله، وقد أحكم اللَّه تعالى ما ذكرناه في توحيد نفسه بالمشيئة والأفعال ونهيه عن الشرك به وضرب الأمثال وعجب ممن يسوي بينه وبين خلقه في الأحكام وجعل ذلك جحود النعمة وشركاً في ملكه وأخبر به عن المشركين وإضلالهم أتباعهم بعد ضلالهم المبين وإضلالهم بتسويتهم بينه وبين عباده في الأحكام في قوله تعالى: (قَالُوا وَهُمْ فيهَا يَخْتَصمُون) (تَاللَّه إنْ كُنَّا لَفي ضَلالٍ مُبين) (إذْ نُسَوّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمين) (وَمَا أَضَلَّنَا إلاَّ الْمُجْرِمُونَ) الشعراء: 96، 97، 98، 99، قيل: أنزلت في القدرية لأنهم أضافوا الحول والقوَّة في الشر إلى الخلق فسوّوا بينهم وبين الخالق، وقد قال اللَّه تعالى: (وَاللَّه خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلْونَ) الصافات: 96 فأضاف الأعمال إلى أنه خلقها كخلقه إياهم فهم المجرمون الذين أنزلت فيهم هذه الآية التي ذكر فيها القدرية فوصفوا بإنكارهم في قوله تعالى: (إنَّ الْمُجْرِمينَ في ضَلالٍ وَسُعُرٍ) (يَوّْمَ يُسْحَبُونَ في النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) (إنّا كُلَّ شَيء خَلَقْنَاهُ بِقدَرٍ) القمر: 47، 48، 49 هم المجرمون الذين أضلوا أتباعهم وهم الغاوون الذين كبكبوا في النار مع أشياعهم وقد أحكم الله تعالى تفضيل ما ذكرناه آنفاً في خمس آيات محكمات تنظم جمل معاني ما ذكرناه تركنا شرح ذلك وبسطه خشية الإطالة لأنا لم نقصد الإحتجاج في الاستدلال من ذلك قوله تعالى: (وَاللَّه فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضِ في الرّزْقِ) النحل: 71 يعني: فضل الموالي على العبيد فماالذين فضلوا يعني الموالي برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة اللَّه يجحدون، والآية الثانية قوله تعالى: (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلكَتْ أَيْمَانُكُم مِنْ شُرَكَاء في مَا رَزَقْنَاكُم فَأَنْتُمْ فيهِ سَوَآءٌ)