مكحول خصال ثلاث يحبها الله عزّ وجلّ وثلاث يبغضها الله عزّ وجلّ، فأما اللاتي يحبها: فقلة الأكل، وقلة النوم، وقلة الكلام، وأما اللاتي يبغض: فكثرة الأكل، وكثرة الكلام، وكثرة النوم، فأما النوم فإن في مداومته طول الغفلة وقلة العقل ونقصان الفطنة وسهوة القلب، وفي هذه الأشياء الفوت وفي الفوت الحسرة بعد الموت، وروينا عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: قالت أم سليمان بن داود لابنها: يابني لاتكثر النوم بالليل فإن كثرة النوم تترك العبد فقيراً يوم القيامة وقيل كان شبان يتعبدون في بني إسرائيل فكانوا إذا حضر عشاؤهم قام فيهم عالمهم فقال: يا معشر المريدين لا تأكلوا كثيراً فتشربوا كثيراً فترقدوا كثيراً فتخسروا كثيراً، وكان بعض السلف يقول: أدنى أحوال المؤمن: الأكل والنوم، وأفضل أحوال المنافق: الأكل والنوم، وقال بعض الناس لفيلسوف من الحكماء: صف لي شيئاً أستعمله حتى أكون أنام النهار، فقال: ياهذا ماأضعف عقلك إن نصف عمرك نوم والنوم من الموت، تريد أن تجعل ثلاثة أرباعه نوماً وربعه حياة؟ قال: وكيف؟ قال: أنت إذا عشت أربعين سنة فإنما هي عشرون سنة أفتريد أن تجعلها عشر سنين؟ وأما كثرة الكلام فإن فيه قلة الورع وعدم التقوى وطول الحساب وكثرة المطالبين وتعلق المظلومين وكثرة الأشهاد من الأملاك المكاتبين ودوام الإعراض من الملك الكريم، لأن الكلام مفتاح كبائر اللسان، فيه الكذب والغيبة والنميمة والبهتان، وفيه شهادة الزور، وفيه قذف المحصن والافتراء على الله تعالى والإيمان، وفيه القول فيما لايعني والخوض فيما لاينفع، وقد جاء في الخبر: أكثر خطايا ابن آدم في لسانه وأكثر الناس ذنوباً يوم القيامة أكثرهم خوضاً فيما لايعنيه، وفي اللسان التزين والتصنع للخلق والتحريف والإحالة لمعاني الصدق، وفيه المداهنة والمواراة والتملق لأهل الأهواء وفي اجتماع هذا على العبد شتات قلبه وفي شتاته تفريق همه، وفي تفريق همه سقوطه من مقام المقربين، وفي وصية ابن عباس لمجاهد لا تمارينّ حليماً ولا سفيهاً فإن الحليم يقلاك وإن السفيه يؤذيك، وفي الخبر: إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالاً يهوي بها أبعد ما بين السماء والأرض، وفي لفظ آخر ليتكلم بها فيهوي في جهنم سبعين خريفاً، وقال لقمان لابنه: لأن تعيش أخرس يسيل لعابك على صدرك خير لك من أن تنطق في نادي القوم بما لايعنيك، وفي خبر: من افتتح بكلمة سوء ثم خاض الناس في مثلها كان عليه مثل أوزارهم، وفي الخبر: لايأتي بخير السوء إلا رجل السوء، وحدثونا عن إبراهيم بن أدهم أنه كان إذا صحبه رجل فجاء بخبر سوء فارقه، وروينا في الحديث: من حدث بما سمعت أذناه ورأت عيناه كتبه الله تعالى من الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا.
وروينا عن علي رضي الله عنه: مذيع الفاحشة في الناس كفاعلها، وفي الخبر: إن بعض فقراء أهل الصفة استشهد في سبيل الله عزّ وجلّ فقالت أمه: هنيئاً لك في الجنة