رضا الله وأنت في منزلك وتنفق ألفي درهم وتكون على يقين من مرضاة الله عزّ وجلّ أتفعل ذلك؟ قال نعم: قال: اذهب فأعطها عشرة أنفس؛ مدين يقضي بها دينه، وفقير يرم شعثه، ومعيل يحيي عياله، ومربي يتيم يفرحه، وإن قوى قلبك أن تعطيها لواحد فافعل، فإن ادخالك السرور على قلب امرئ مسلم وتغيث لهفان وتكشف ضر محتاج وتعين رجلاً ضعيف اليقين أفضل من مائة حجة بعد حجة الإسلام قم فأخرجها كما أمرناك وإلا فقل لنا ما في قلبك فقال: ياأبا نصر سفري أقوى في قلبي فتبسم بشر وأقبل عليه، وقال له: المال إذا جمع من وسخ التجارات والشبهات اقتضت النفس إلى أن تقضي به وطراً ويشرع إليه فظاهرت أعمال الصالحات وقد آلى على نفسه أن لا يقبل إلا عمل المتقين، وفي نحوه قيل لبشر أيضاً إن فلاناً الغني كثير الصوم والصلاة فقال: المسكين ترك حاله ودخل في حال غيره إنما حال هذا إطعام الطعام للجياع والإنفاق على المساكين فهذا أفضل له من تجويعه نفسه ومن صلاته لنفسه مع جمعه للدّنيا ومنعه للفقراء، وقد يكون اختفاء الأوجب من الفرائض والتباسه بالفضائل محنة من الله عزّ وجلّ لعباده وحكمة له فيهم فيرتكبون التأويل للسعة ويتركون الضيق لخفائه عليهم لينفذ فيهم العلم ويجري عليهم الحكم ويكون ذلك تأديباً لهم وتعريفاً ومزيداً في التسليم وتوفيقاً، وقد قال الله تعالى فيما عتب على نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووعظه وزجره في قوله تعالى: (عَبَسَ وَتَوَلَّى) (أنْ جَاءَهُ الأعْمَى) (وَمَايُدْريكَ لَعَلَّهُ يَزَّكّى) عبس: 1 - 2 - 3، يقال إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يغتم في عمره كغمه حين أنزل عليه سورة عبس لأن فيها عتباً شديداً على مثله لأنه الحبيب الرشيد ومع ذلك لم يقصده في الخطاب فيكون أيسر للعتاب بل كشف ذلك للمؤمنين ونبّه على فعله عباده المتقين لأن معنى قوله عبس وتولى: أي انظروا أيها المؤمنون، أو اعجبوا إلى الذي عبس وتولى أن جاءه الأعمى، ولذلك روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلغه أن بعض المنافقين يؤم قومه فكان لا يقرأ بهم إلا بسورة عبس فأرسل فضرب عنقه يستدل بذلك على كفره ليضع من الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك عنده وعند قومه ومثله قوله عزّ وجلّ عاتباً على رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أذِنْتَ لَهُمْ) التوبة43 ونحوه: (لِمَ تُحَرِّمُ مَا أحَلَّ الله لَكَ تَبْتَغي مَرْضَات أزْواجِكَ) التحريم: 1 وبمعناه قوله عزّ وجلّ: (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْديهِ وَتَخْشَى النَّاس واللهُ أحَقُّ أنْ تَخْشَاهُ) الأحزاب: 37حتى قالت عائشة رضي الله عنها: لو كتم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً من القرآن كتم هذه الآية، ومن أعجب ما سمعت في هذا المعنى ماحدثونا في الإسرائيليات عن وهب بن منبه اليماني أن سليمان بن داود عليهما السلام لما قبضه الله عزّ وجلّ خلف رجالاً من ولده يعمرون بيت المقدس ويعظمونه برهة من الدهر حتى خلفه بعدهم رجل من ولد سليمان فخالف طريقة آبائه وترك شريعتهم وتكبر في الأرض وطغى وقال بني جدي داود وأبي سليمان مسجداً فما لي لا
أبني مسجداً مثل ما بنو وأدعو الناس إلى شريعتي كما دعوا