مقبلاً على شانه حافظاً للسانه عارفاً بزمانه وفي بعضها مكرماً لإخوانه فأوّل وقت المباح من الأوقات فالنوائب والحاجات تطرقه به والفاقات تدخله عليه فلا يتكلفه قبل وقته فيشغله عن وقته ثم إن العباد في مشاهدة الملك على أربع مقامات: كل عبد يشهد الملك من مقامه بعين حاله فمنهم من ينظر إلى الملك بعين التبصرة والعبرة فهؤلاء أولو الألباب الذين كشف عن قلوبهم الحجاب وهم أولو الأيدي والأبصار الذين أقامهم مقام الإعتبار وهذا مقام العلماء الذين هم ورثة الأنبياء، ومنهم من ينظر إلى الملك وأهله بعين الرحمة والحكمة وهذا مقام الخائفين، ومنهم من ينظر إلى الملك وأهله بعين المقت والبغضة وهذا مقام الزاهدين ومنهم من ينظر إلى الملك بعين الشهوة والغبطة وهذا مقام الهالكين وهم أبناء الدنيا الذين لها يسعون وعلى فوتها يتحسرون، فإن أعطى العبد النظر إلى الملك بعين العبرة والحكمة أدخله الملك على الملك فاستغنى به عما سواه وإن أعطى الخائف النظر إلى الملك بعين الرحمة اغتبط بمقامه وعظمت لربه تعالى عليه النعمة وإن أعطى الزاهد النظر إلى الملك بعين البغضة أخرجه الملك عن الملك بالزهد فيه فعوَّضه من فوت الملك الصغير درك الملك الكبير، ومن ابتلى بالنظر إلى الملك بعين الغبطة والحسرة أوقعه الملك في الهلكة فسلك طريق المهالك، ومن شاهد معنى خلق من أخلاق الذوات أو معنى وصف من الصفات كان مقتضاه ما يوجب الخلق أو الوصف من شهود نعيم أو عذاب وهو مقام له في التعريف يرفعه إلى مقام التعرف وهذه شهادة العارفين من كل ماشهدوه من الأفعال التي تدل على معاني الأخلاق والأوصاف لأنه أظهرها عنه ليستدل عليه بها وينظر إليه منها فأما من شهد شهوة من شهوات النفس بعين الهوى أخرجته إلى الأهواء فتخطفه الشياطين وهوت به الريح في مكان سحيق وتنكب طريق المسالك إلى المولى التي تخرجه إلى القريب وتقعده عند الحبيب في مقعد صدق عند مليك مقتدر، فمن فاته القرب وقع في التيه والبعد فهو اليائس المغبون الخائن المفتون الذي يكون أبداً يومه شرّاً من أمسه وغده شرًّا من يومه، فالموت خير له من حياته لأن حياته عن الحبيب تبعده وبقاءه عن السبيل يصده ووجده لهواه يفقده وظهور نفسه عليه من السوابق يقعده لأنه إذا كان في إدبار وكان إدباره في إقبال فقد فاته عمره عن آخره كفوت وقت واحد وفوت شيء واحد لأن العمر ليس مما يتأتى فوته دفعة واحدة كشيء واحد لأنه ينشأ وقتاً بعد وقت وإنما يفوت جزءاً جزءاً على حكمة من الله عزّ وجلّ وتمهّل واستدراج منه وقتاً بعد وقت ويوماً بعد يوم يستدرجه في ذلك كما يصعد الدراج في الدرج مرقاة مرقاة، كذلك يشغله في وقت عنه ويفرغه وقتاً آخر لغيره ويذكره في وقت سواه وينسيه وقتاً آخر إياه فشغله حينئذ كفراغه وذكره يومئذ كنسيانه وعلى هذا سائر أوقاته تارة يقطعه عنه وتارة