فرطت في جنب اللَّه يعني أيام الدنيا التي ضيعت العمر فيها فخلت من الثواب والجزاء غداً، وهذا أحد الوجهين في قوله الأيام الخالية، والوجه الآخر الخالية أي الماضية خلت أوقاتها وخلدت أحكامها وذهبت شهواتها وبقيت عقوباتها فإن قصرت عن هذه المحاسبة للحسيب ولم يكن لك مقام المراقبة للرقيب ولا مكان المحاسبة للحبيب فلا يفوتنّك مقام الورعين ولا تبن عن حال التائبين وهو أن تجعل لك وردين في اليوم والليلة لمحاسبة النفس وموافقتها مرة بعد صلاة الضحى لما مضى من ليلتك وماسلف من غفلتك، فإن رأيت نعمة شكرت الله وإن رأيت بلية استعفرت فإن وجدت في حالك أوصاف المومنين التي وصفهم اللَّه عزّوجلّ ومدحهم عليها رجوت وطمعت واستبشرت، وإن وجدت من قلبك وحالك وصفاً من أوصافِ المنافقين أو خلقاً من أخلاق الجاهلين التي ذمهم اللَّه عزّ وجلّ بها ومقتهم عليها حزنت وأشفقت وتبت من ذلك واستغفرت، والمرة الثانية أن تحاسب نفسك بعد الوتر وقبل النوم لمامضى من يومك من طول غفلتك وسوء معاملتك ومافعلته من أعمالك كيف فعلتها وماتركته من سكوتك وصمتك لم تركته ولمن تركته فتنعقد الزيادة والنقصان وتعرف بذلك التكلف والإخلاص من حركتك وسكونك فما تحركت فيه وسكنت لأجل اللَّه عزّ وجلّ به فهو الإخلاص ثوابك فيه على الله عزّ وجلّ عند مرجعك إليه فأعمل في الشكر على نعمة التوفيق وحسن العصمة من التهلكة وما سكنت فيه أو تحركت لهواك وعاجل دنياك فهو التكلف، الذي أخبر رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه هو والأتقياء من أمته برآء من التكلف وقد استوجبت فيه العقاب عند نشر الحساب إلا أن يغفر المولى الكريم الوهاب فاعمل حينئذ في الاستغفار بعد حسن التوبة وجميل الاعتذار وخف أن يكون قد وكلك إلى نفسك فتهلك، فلعل مشاهدة هذين المعنيين من خوف ما سلف منك والطمع في قبول ما أسلفت يمنعك من المنام ويطرد عنك الغفلة فتحيي ليلتك بالقيام فتكون ممن وصف اللَّه عزّ وجلّ في قوله: (تَتَجَافي جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً) السجدة: 16قد قال بعض السلف: كان أحدهم يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك لشريكه، وقد قال بعض العلماء: من علامة المقت أن يكون العبد ذاكراً لعيوب غيره ناسياً لعيوب نفسه ماقتاً للناس على الظن محباً لنفسه على اليقين وترك محاسبة النفس ومراقبة الرقيب من طول الغفلة عن اللَّه عزّ وجلّ والغافلون في الدنيا هم الخاسرون في العقبي لأن العاقبة للمتقين قال اللَّه عزّ وجلّ: (وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُون) النحل: 108لاجرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون وطول الغفلة من العبد عن طبائع االقلب من المعبود والغفلة في الظاهر غلاف القلب في الباطن، تقول العرب غفله وغلفه بمعنى كماتقول جذب وجبذ وخشاف وخفاش وطبائع القلب عن ترادف الذنب