أنتم فإنه قد عرض لي عارض منعني من الأكل، فقلنا: لا نأكل إن لم تأكل معنا، فقال: أنتم أعلم أما أنا فغير آكل ثم انصرف، قال: فكرهنا أن نأكل دونه، فقلنا: لو دعونا الشوّاء فسألناه عن أصل هذا الجمل فلعل له سبباً مكروهاً فدعوناه فلم نزل به نسأل عنه حتى أقر أنه كان ميتة وأن نفسه شرهت إلى بيعه حرصاً على ثمنه فشواه فوافق اأنكم اشتريتموه، قال: فمزقناه للكلاب، قال: ثم إني لقيت الرجل بعد وقت فسألته لأي معنى تركت أكله وبأي عارض؟ فقال: أخبرك ما شرهت نفسي إلى طعام منذ عشرين سنة بالرياضة التي رضتها به فلما قدمتم إلي هذا شرهت نفسي إليه شرهاً ماعهدته قبل ذلك فعلمت أن في ذلك الطعام علة فتركت أكله لأجل شره النفس إليه فانظر رحمك اللَّه كيف اتفقا في شره النفس عن قصد واحد ثم اختلفا في التوفيق والخذلان فعصم العالم بالورع والمحاسبة وترك الجاهل مع شره النفس بالحرص وتركه المراقبة أعني البائع للجمل ثم عصم الآخرون للتوفيق بحسن الأدب وهو قمع شره النفس عن الأكل بعد صاحبهم ثم تدارك البائع بعد وقوعه لصدق المشتري وحسن نيته. قز لغيره وربما قتلوه إذا فرغ من نسيجه لأن القز يلتف عليه فيروم الخروج منه فيشمس وربما غمزوه بالأيدي حتى يموت لئلا يقطع القز وليخرج القز صحيحاً، فهذه صورة المكتسب الجاهل الذي أهلكه أهله وماله فتنعم ورثته بما شقي به فإن أطاعوا به كان أجره لهم وحسابه عليه وإن عصوا به كان شريكهم في المعصية لأنه أكسبهم إياها به فلا يدري أي الحسرتين عليه أعظم أذهابه عمره لغيره أو نظره إلى ماله في ميزان غيره، ومما سمعت في علم شره النفس ما حدثني بعض إخواني عن بعض هذه الطائفة قال: قدم علينا بعض الفقراء فاشترينا من جار لنا جملاً مشوياً ودعوناه عليه في جماعة من أصحابنا فلما مد يده ليأكل وأخذ لقمة وجعلها في فيه لفظها ثم اعتزل وقال: كلوا أنتم فإنه قد عرض لي عارض منعني من الأكل، فقلنا: لا نأكل إن لم تأكل معنا، فقال: أنتم أعلم أما أنا فغير آكل ثم انصرف، قال: فكرهنا أن نأكل دونه، فقلنا: لو دعونا الشوّاء فسألناه عن أصل هذا الجمل فلعل له سبباً مكروهاً فدعوناه فلم نزل به نسأل عنه حتى أقر أنه كان ميتة وأن نفسه شرهت إلى بيعه حرصاً على ثمنه فشواه فوافق اأنكم اشتريتموه، قال: فمزقناه للكلاب، قال: ثم إني لقيت الرجل بعد وقت فسألته لأي معنى تركت أكله وبأي عارض؟ فقال: أخبرك ما شرهت نفسي إلى طعام منذ عشرين سنة بالرياضة التي رضتها به فلما قدمتم إلي هذا شرهت نفسي إليه شرهاً ماعهدته قبل ذلك فعلمت أن في ذلك الطعام علة فتركت أكله لأجل شره النفس إليه فانظر رحمك اللَّه كيف اتفقا في شره النفس عن قصد واحد ثم اختلفا في التوفيق والخذلان فعصم العالم بالورع والمحاسبة وترك الجاهل مع شره النفس بالحرص وتركه المراقبة أعني البائع للجمل ثم عصم الآخرون للتوفيق بحسن الأدب وهو قمع شره النفس عن الأكل بعد صاحبهم ثم تدارك البائع بعد وقوعه لصدق المشتري وحسن نيته.
وجبلات النفس الأربعة هي أصول ماتفرّع من هواها وهي مقتضى ما فطرها عليه مولاها: أولها الضعف وهو مقتضى فطرة التراب، ثم البخل وهو مقتضي جبلة الطين، ثم الشهوة وموجبها الحمائم، الجهل وهو ما اقتضاه موجب الصلصال وهذه الصفات على معاني تلك الجبلات للابتلاء بالأمشاج ففيه بدء الأمت والإعوجاج، ذلك تقدير العزيز العليم، ثم إن النفس مبتلاة بأوصاف أربعة متفاوتة: أولها معاني صفات الربوبية نحو الكبر والجبرية وحب المدح والعز والغنى ومبتلاة بأخلاق الشياطين مثل الخداع والحيلة والحسد والظنة ومبتلاة بطبائع إليها ثم وهو حب الأكل والشرب والنكاح وهي مع ذلك كله مطالبة بأوصاف العبودية مثل الخوف والتواضع والذل بمعنى ما قلناه، قيل: إنها خلقت متحركة وأمرت بالسكوت وإني لها بذلك إن لم يتداركها المالك وكيف تسكن بالأمر إن لم يسكنها محركها بالخير فلا يكون العبد عبداً مخلصاً حتى يكون للمعاني الثلاث مخلصاً فإذا تحقق بأوصاف العبودية كان خالصاً من المعاني التي هي بلاؤه من صفات الربوبية، فإخلاص العبودية للوحدانية عند العلماء الموحدين أشد من الإخلاص في المعاملة عند العاملين، وبذلك رفعوا إلى مقامات القرب وذلك أنه لا يكون عندهم عبداً حتى يكون مما سوى اللَّه عزّ وجلّ حراً فيكف يكون عبد رب وهو عبد عبد لأن ما قاده إليه فهو إلهه وماترتب عليه فهو ربه وهذا شرك في الإلهية عند المتألهين ومرج بالربوبية عند الربانيين فهو متعوس منكوس بدعاء الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ يقول: تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الزوجة، تعس عبد الحلة، فهؤلاء عبيد العدد الذين قال مولاهم: إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً لقد أحصاهم