الفصل الثاني والعشرون
كتاب الصيام
وترتيبه ووصف الصائمين وذكر مايستحب للعبد من الصيام وطرقات الصائمين في الصوم
ووصف صوم الخصوص
قال اللَّه عزّ وجلّ: (وَاسْتَعينُوا بِالصبَّْرِ وَالصَّلاةِ) البقرة: 351، جاء في التفسير: الصبر يعني الصوم وكان رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسمي رمضان شهرالصبر لأن الصبر حبس النفس عن الهوى وإيقافها وحبسها على أمر المولى، وقد روينا عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: الصبر نصف الإيمان والصوم نصف الصبر، وقال اللَّه تعالى: (وَاسْتَعينُوا بِالصّبْرِ) البقرة: 351، قيل: معناه على مجاهدة النفس وقيل: على مصابرة العدوّ، وقال بعض العلماء: استعينوا بالصبر على الزهادة في الدنيا بالصوم، لأن الصائم كالزاهد العابد، فالصوم مفتاح الزهد في الدنيا وباب العبادة للمولى لأنه منع النفس عن ملاذها وشهواتها من الطعام والشراب كما منعها الزاهد العابد بدخوله في الزهد وشغله بالعبادة، ولذلك جمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينهما في المعنى فقال: إن اللَّه عزّ وجلّ يباهي ملائكته بالشاب العابد فيقول: أيها الشاب التارك شهوته من أجلي المبتذل شبابه لي أنت عندي كبعض ملائكتي، وقال في الصائم: مثل ذلك يقول عزّ وجلّ: يا ملائكتي انظروا إلى عبدي ترك شهوته ولذته وطعامه وشرابه من أجلي، ففي الصوم عون على مجاهدة النفس وقطع حظوظها ومنع عادتها وفيه إضعاف لها ونقصان لهواها، وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول اللَّه عزّ وجلّ: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، فأضافه عزّ وجلّ إليه تفضيلاً له تخصيصاً كما قال تعالى: (وَأنْ المسَاجِدَ للَِّه فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أحَداً) الجن: 18 وكما قال: (إنَّمَا أُمِرْتُ أنْ أعْبُدَ رَبَّ هِذِهِ البَلْدَةِ الذي حَرَّمَهَا) النمل: 91 فلما كانت المساجد أحب بيوت الدنيا إليه وكانت مكة أشرف البلاد عنده أضافها إلى ذكره وله كل شيء كذلك لما كان الصيام أفضل الأعمال عنده وأحبها إليه لأن فيه خلقاً من أخلاق الصمدية ولأنه من أعمال السر بحيث لا يطلع عليه إلا هو أضافه لنفسه، وقيل: ما في عمل ابن آدم شيء إلا ويقع فيه قصاص ويذهب برد المظالم إلا الصوم