وشهود جنازة وتعلّم علم وزيارة أخ في الله عزّ وجلّ فإن الذكر بالعلم وتعليم الناس إياه والتذكير باللَّه عزّ وجلّ والدعوة إليه في يوم الجمعة له فضل على سائر الأيام لأنه يوم المزيد، فللقلوب فيه إقبال وتحديد، وكذلك السعي إليه والاستماع له وحضور مجالس الذكر يوم الجمعة لا مجالس القصاص أفضل من سائر الأيام، والمستمع شريك القائل في الأجر وقد قيل إنه أقرب للرحمة وقد كره العلماء الجلوس إلى القصاص سيمايوم الجمعة خاصة لأنهم يثبطون عن الغدوّ إلى الجامع في الساعة الأولى والثانية لأن الكتاب ورد بالفضل فيهما، فمن اتفق له عالم باللَّه عزّ وجلّ يذكره به ويدله عليه من علماء الآخرة الزاهدين في الدنيا يوم الجمعة غدوة في الجامع أو بعد صلاة الجمعة جلس إليه واستمع منه وإن حضر مفتِ يتكلّم بعلم الدين وكان العبد محتاجاً إلى ذلك وجالسه فهو الأفضل فإن مجالس العلماء في الجامع من زين يوم الجمعة ومن تمام فضله.
قال الحسن: الدنيا ظلمة إلا مجالس العماء، فإن لم يتفق له ذلك أحيا ما بين الصلاتين وهو الورد الخامس من النهار، ويستحب صلاة العصر في الجامع إلاّ لسبب لا بدّ منه مانع، وإن قعد إلى غروب الشمس فهو أثوب للساعة المنتظرة من آخر النهار إذا أمن الفتنة والتصنع والكلام فيما لا يعنيه، ويقال: من صلّى العصر في الجامع كان له ثواب حجة ومن صلّى المغرب كان له ثواب عمرة فإن خشي دخول الآفة عليه أو لم يأمن التصنّع والخوض فيما لا يعنيه انصرف إلى منزله ذاكراً للَّه عزّ وجلّ مفكراً في آلائه وحسن نعمائه فراعى غروب الشمس بالأذكار والتسبيح والاستغفار في منزله أو مسجد حيه فذلك حينئذ أفضل له، وقال بعض السلف: أوفر الناس نصيباً يوم الجمعة من راعاها وانتظرها من الأمس وأخس الناس منها نصيباً من يصبح يوم الجمعة فيقول: أيش اليوم وقد كان بعضهم يبيت ليلة الجمعة في الجامع لأجل صلاة الجمعة ومنهم من كان يبيت ليلة السبت في الجامع لمزيد الجمعة وكثير من السلف من كان يصلِّي الغداة يوم الجمعة في الجامع ويقعد ينتظر صلاة الجمعة لأجل البكور ليستوعب فضل الساعة الأولى ولأجل ختم القرآن وعامة المؤمنين كانوا ينحرفون من صلاة الغداة في مساجدهم فيتوجهون إلى جوامعهم ويقال: أوّل بدعة حدثت في الإسلام ترك البكور إلى الجوامع.
قال: وكنت ترى يوم الجمعة سحراً وبعد صلاة الفجر الطرقات مملوءَة من الناس يمشون في السرج يزدحمون فيها إلى الجامع كما ترون اليوم في الأعياد حتى درس ذلك وقل وجهل وترك أولا يستحي المؤمن أن أهل الذمة يبكرون إلى كنائسهم وبيعهم قبل خروجه إلى جامعه أولا يعتبر بأهل الأطعمة المباعة في رحاب الجامع أنهم يغدون إلى الدنيا والناس قبل غدوّه هو إلى اللَّه تعالى وإلى الآخرة فينبغي أن يسابقهم إلى مولاه