المغفرة آجلاً جهلاً منهم بحكمته وإعراضاً عن أحكامه، قال الله عزّ وجلّ: (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ ميثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لاَ يَقُولُوا عَلَى الله إلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فيهِ) الأعراف: 169، ثم أخبر عن علمهم بذلك علم قول وخبر لا علم يقين ومعاينة، قال سبحانه: (وَدَرَسُوا مَا فِيهِ) الأعراف: 169 أي قرؤوا هذا وعلموه ولم يعملوا به فلم ينتفعوا بشيء منه، فكان هذا توبيخاً لهم وتقريعاً كقوله تعالى: (قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ) البقرة: 93 وفيها وجه غريب ودرسوا ما فيه أي محوه بترك العمل به والفهم له من قولك: درست الريح الآثار إذا محتها وخط دارس وربع دارس إذا محي وعفي أثره وهذا المعنى مواطئ لقوله تعالى: (نَبَذَ فَريقٌ مِنَ الَّذينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ الله وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) البقرة: 101 واتبعوا ما تتلو الشياطين أي ما تتبع وتهوى ومواطئ لقوله تعالى: (فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرُوْا بِهِ ثَمَناً قَليلاً فَبِئسَ مَا يَشْتَروُنَ) آل عمران: 187 فسمي ترك العمل منهم به في كل حالة طرحاً له وإلقاء ونفياً له وبيعاً له وبالدنيا اشتراء وكل آية في التهدد والوعيد فللخائفين منها وعظ وتخويف وللغافلين عنها وصف وتعريف علمه من علمه كقوله تعالى في ذكر النار: (ذلِكَ يُخَوِّفُ الله بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّْقُونِ) الزمر: 16، وقال في خبرها أعدت للكافرين، وقال بعض السلف: إن العبد ليفتتح سورة فتصلّي عليه الملائكة حتى يفرغ منها وإن العبد ليفتتح سورة فتلعنه حتى يفرغ منها، فقيل: وكيف ذلك؟ قال إذا أحل حلالها وحرم حرامها صلت عليه وإلا لعنته، وقال بعض العلماء: إن العبد ليتلو القرآن فيلعن نفسه وهو لا يعلم يقول ألا لعنة الله على الظالمين وهو ظالم ألا لعنة الله على الكاذبين وهو منهم، وقال سفيان في قوله تعالى: (سَأَصرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذينَ يَتَكَبَّرُونَ في الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) الأعراف: 146، قال: أصرف عنهم فهم القرآن، وفي الخبر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا عظمت أمتي الدنيا والدرهم نزع منها هيبة الإسلام وإذا تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حرموا بركة الوحي، قال الفضيل: حرموا فهم القرآن وفي الأخبار من ذم قراءة البطالين أكثر من أن تذكر، فمنها ما روي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال أكثر منافقي أمتي قراؤها، وكان الحسن يقول: إنكم اتخذتم قراءة القرآن مراحل وجعلتم الليل جملاً فأنتم تركبونه فتقطعون به مراحله وإن من كان قبلكم رأوه رسائل أتتهم من ربّهم فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها بالنهار، وكان ابن مسعود من قبله يقول أنزل عليهم القرآن ليعملوا به فاتخذوا دراسته