وَهَكَذَا توارث الْمُسلمُونَ وَقَالَ تَعَالَى {فاسألوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ} وَأما إِذا لم يُوجد أفضل مِنْهُ وأكره عَلَيْهِ فيفترض عَلَيْهِ فعلى الْمُفْتِي أَن لَا يُفْتِي إِلَّا فِيمَا يَقع من الْمُهِمَّات الدِّينِيَّة دون الغوامض وَإِن سُئِلَ عَمَّا يشك فِيهِ يَقُول لَا أَدْرِي حَتَّى يُرَاجع الْكتب وَالْعُلَمَاء ويشاورهم وَنظر أحسن أقاويلهم ثمَّ يُفْتِي بِمَا رَآهُ صَوَابا لَا بِغَيْرِهِ وَكَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ رُبمَا يجمع أهل بدر كلهم فِي وَاقعَة وَيَنْبَغِي أَن لَا يطْلب بالفتيا سيادة وَلَا رياسة وَلَا إقبال النَّاس عَلَيْهِ وَلَا سبي قُلُوبهم لجلب النَّفْع مِنْهُم وَكسب الجاه عَنْهُم بل يَنْوِي حسبَة للثَّواب من الله عز وَجل وابتغاء لمرضاته وإعلاء لكلمته ونصرة لدينِهِ وَأَدَاء للأمانة عِنْدهم إِلَى من يعقبهم من إخْوَان الدّين فَإِن ذَلِك فرض عَلَيْهِ ويعظم أَمر الْإِفْتَاء فقد كَانَ الإِمَام أَبُو يُوسُف إِذا استفتى فِي مَسْأَلَة اسْتَوَى وارتدى وتعمم ثمَّ أفتى تَعْظِيمًا للإفتاء وَأما شَرَائِط الْفَتْوَى فَقَالَ الإِمَام مُحَمَّد رح إِذا كَانَ صَوَابه أَكثر من خطأه يحل لَهُ أَن يُفْتِي بِرَأْيهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُف رح لَا يحل لَهُ أَن يُفْتِي حَتَّى يعرف أَحْكَام الْكتاب وَالسّنة والناسخ والمنسوخ وأقاويل الْعلمَاء والمتشابه ووجوه الْأَحْكَام وَقَالَ الْأَمَام أَبُو حنيفَة رح لَا يحل لأحد أَن يُفْتِي بقولنَا مَا لم يعلم من أَيْن قُلْنَا وَقَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث رح لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يُفْتِي إِلَّا أَن يعرف أقاويل الْعلمَاء وَيعلم من أَيْن قَالُوا وَيعرف معاملات النَّاس فَإِن عرف أقاويل الْعلمَاء لم يعرف مذاهبهم فَإِن سُئِلَ عَن مَسْأَلَة يعلم أَن الْعلمَاء الَّذين تنتحل مذاهبهم قد اتَّفقُوا عَلَيْهَا فَلَا بَأْس بِأَن يَقُول هَذَا جَائِز وَهَذَا لَا يجوز وَيكون قَوْله على سَبِيل الْحِكَايَة وَإِن كَانَت مَسْأَلَة قد اخْتلفُوا فِيهَا فَلَا بَأْس بِأَن يَقُول هَذَا جَائِز فِي قَول فلَان وَلَا يجوز فِي قَول فلَان وَلَا يجوز لَهُ أَن يخْتَار قولا فيجيب بقول بَعضهم مَا لم يعرف حجَّته قَالَ أَبُو بكر