وقد بدت معدلات المواليد في دول شمال وغرب أوروبا في الهبوط منذ سنة 1850 وبدأت كثير من الدول الأوروبية في التحصين ضد بعض الأمراض الوبائية مثل الجدري كما ساعد النقل على تلبية الاحتياجات الغذائية في الأماكن البعيدة وأدى ذلك كله إلى انخفاض معدل الوفيات في هذه الدول الغربية حيث هبط في دول غرب أوروبا من 24 في الألف سنة 1850 إلى 16 في الألف سنة 1900 مما يعكس التقدم الصحي الذي بدأ يميز هذه الدول1.

ومعنى ذلك أن الطفرة السكانية في العصر الحديث قد نتجت عن الزيادة الطبيعية الكبيرة والتي نتجت بدورها عن انخفاض معدل الوفيات مع بقاء معدلات المواليد ثابتة أو انخفاضها انخفاضا طفيفا في بعض مناطق العالم ولقد أوضحت الإحصاءات أن الانخفاض السريع في معدلات الوفاة كان سببا رئيسيا للتزايد السكاني السريع في العصر الحديث وقد ارتبط انخفاض معدلات الوفاة بارتفاع في متوسط أعمار الأفراد فمنذ مائتي عام مثلا كان لا ينتظر الوليد الجديد أن يعيش أكثر من 35 - 40 سنة وذلك حتى في البلاد التي كانت الظروف الصحية ملائمة بها، أما في الوقت الحاضر فقد ارتفع أمد الحياة وتجاوز 65 سنة في بلاد متعددة وما زال في اتجاهه نحو التزايد في معظم دول العالم بفضل التقدم العلمي الكبير الذي تصدى لكثير من أسباب الوفيات وخاصة في الأعمار المبكرة والتي تكون نسبة عالية من جملة الوفيات.

وقد بدأ الانخفاض الواضح في معدلات الوفيات في دول شمال أوروبا في وقت مبكر من القرن التاسع عشر، واستمر هذا الانخفاض بعد ذلك حتى صار المتوسط الحالي للوفيات في دولها حوالي 10 في الألف -وهو يعد أقل من ثلث المعدل الذي كان سائدا في أوائل القرن التاسع عشر، كذلك نتج عن انخفاض معدل الوفيات في أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا بدرجة ملحوظة في العقود الأخيرة مع ارتفاع معدلات المواليد أن أصبحت هذه القارات تعاني من النمو السريع للسكان حتى إن معدل النمو في كثير من دولها يبلغ ضعف معدل النمو العالمي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015