كل مظاهر الحضارة الحالية نشأت دون تراث تاريخي ترتكز عليه ولذلك فإن العمران وأشكاله المتباينة لم يحظ باهتمام كبير في الجغرافيا البشرية والتي لا تقيم وزنا لحرية الاختيار بين الفرص المختلفة التي تقدمها ظروف البيئة الطبيعية وتلك الحرية التي منحتها الطبيعة للفرد دائما حتى في المجتمعات البدائية.
وقد عارض هذه الآراء الأمريكية جغرافي ألماني هو أوتومول O. Maul والذي نشر في الثلاثينات أبحاثا في الجغرافيا البشرية ففي كتابه عن جغرافية الإنسان Geography of Man حذف الجغرافيا الاقتصادية تماما، وركز حديثه على موضوعين رئيسيين هما أجناس الإنسان مع الإشارة إلى ظروف تأقلمه والأمراض التي تصيبه ثم الجغرافية السياسية وخاصة الدولة وتركيبها وتعكس هذه الأفكار مفهوم الجيوبوليتيكا الألمانية فيما قبل الحرب العالمية الثانية أي دراسة الدولة ووظائفها لتحقيق ما يعرف بالمجال الحيوي لها وكذلك استطرد في الحديث عن أن طبيعة الدول وامتداد رقعتها الجغرافية وإمكانية التوسع لها والقوى المساعدة على هذا التوسع ومستقبلها كل ذلك يدخل في عداد الجغرافيا البشرية.
أما في فرنسا فقد اتجهت الجغرافيا البشرية اتجاها معارضا للمادية الأمريكية والأيديولوجية الألمانية فقد ركز ألبرت ديمانجون أحد الجغرافيين الفرنسيين البارزين على توسيع آفاق الجغرافيا البشرية والارتباط بينها وبين التاريخ والعلوم الاجتماعية أكثر من ارتباطها بالعلوم الطبيعية ولذا فقد اهتم بدراسة الكثير من المشكلات في الجغرافيا البشرية معتمدا على الدراسات الاجتماعية والإثنوغرافية والاقتصادية والتاريخية لغيره من الباحثين.
وليس من السهل أن تنحصر الجغرافيا البشرية في علم البيئة "الإيكولوجيا" فقط ذلك لأن هناك كثيرا من مظاهر العلاقة بين البيئة الطبيعية والإنسان تخرج عن دائرة الاهتمام الجغرافي فعلى سبيل المثال ذكر ديمانجون أنه ليس من شأن الجغرافي دراسة أجناس الإنسان بالرغم من ارتباط بعض الأجناس البشرية بمجال البحث الجغرافي في بعض مظاهر الوراثة ولا تسود المؤثرات البيئية والتي يمكن ملاحظتها في علم التشريح وعلم وظائف الأعضاء وحتى علم الدم عند بعض الجماعات البشرية ومن بين هذه الملامح والوراثة التي تعد