العمران البشري"- ثم انتقل إلى الحديث عن أثر المناخ في طبائع الشعوب ثم درس البدو والحضر وخصائص كل منهما ودرس بعد ذلك تطور الدول والعوامل المؤثرة في قيامها وانهيارها.
وقد استمر مبدأ الحتمية الجغرافية مسيطرا على الفكر الجغرافي بعد ذلك ويعتبر بودان رضي الله عنهodin 1530-1596 من كتاب عصر النهضة الذين اعتنقوا هذا المبدأ، حيث ربط بين طبائع الناس والمناخ وكتب محاولا تحديد شكل الحكومة أو الجمهورية وذاكرا أنه ينبغي أن يتطابق مع صفات البشر المتنوعة وذلك لأن أهل الأقاليم الشمالية الباردة قساة مخاطرون، بينما يتصف أهل الأقاليم الجنوبية الحارة بالمكر والأخذ بالثأر أما أهل الأقاليم المعتدلة المناخ فأكثر فطنة من أهل الشمال وأكثر نشاطا من أهل الجنوب ويختصون دون غيرهم بالقدرة على القيادة.
وقد حاول مونتسكيو Montesquieu -بعد بودان بقرن من الزمان- في كتابه "روح القوانين" أن يربط بين المناخ والتربة من ناحية وطبائع السكان وصفاتهم من ناحية أخرى، وقد اعتبر الإنسان كائنا فردا أو وحدة طبيعية تقابله قوتان كبيرتان هما الأرض -أو التربة- والمناخ، ولم يكن المناخ عنده سوى الحرارة فهو إما حار أو بارد أو معتدل، والأرض أو التربة في نظره إما أن تكون خصبة أو مجدبة ومما قاله في ذلك "إن سكان المناطق الباردة أكثر قوة وشجاعة وأقل ريبة ومكرا من سكان المناطق الحارة الذين يتصفون بالوهن الجسماني والسلبية" أما التربة فأثرها عنده أقل من المناخ ومع ذلك فأثرها واضح في شكل الحكومة فالملكيات توجد عادة في المناطق ذات التربة الخصبة بينما تقوم الجمهوريات في الأراضي الفقيرة.
وقد توصل مونتسكيو إلى استنتاجات خاطئة في دراسته للعلاقة بين البيئة والإنسان مثل علاقة المناخ الحار بالاستعباد والرق أو علاقة البرودة بالشجاعة أو أثر المناخ في ركود عادات الشعوب الشرقية وتعقد معتقداتها. وقد ظلت هذه الأخطاء عالقة في الأذهان بعد ذلك حتى القرن العشرين لدى البيئيين المحدثين بين ما لديهم من معلومات علمية عن المناخ وبين ما ورثوه من آراء مونتسكيو مما أدى إلى استنتاجات سطحية متناقضة تبدأ بالإنسان وتنتهي به دون الاهتمام بالأرض التي يحيا عليها، أي إن هؤلاء الكتاب الذين