فالجغرافيا عند الإغريق هي علم وصف الأرض وكانت مقسمة إلى قسمين كبيرين هما الجغرافيا الفلكية، والجغرافيا الوصفية أو الإقليمية، وكان القسم الأول يتناول دراسة الأرض وأبعادها وموقعها من المجموعة الشمسية وخطوط الطول ودوائر العرض وغير ذلك من الأمور الفلكية، أما القسم الثاني فكان يتناول وصف الأرض وما عليها من بلدان، وكذا الأقاليم المعروفة آنذاك ولم يهمل الكتاب الإغريق أمثال هيبو قراط "القرن الخامس ق. م" وأرسطو "القرن الثالث ق. م" واصطرابون "القرن الأول ق. م" دراسة الأحوال الاجتماعية في البلاد التي تناولوها بالدراسة في كتاباتهم فقد أوضح هيبو قراط المفارقات التي لاحظها بين سكان الأقاليم الجبلية المعرضين للأمطار والرياح والذين يتصفون بالنحافة والشقرة وبأنهم ميالون للسيادة.
كذلك لاحظ أرسطو نوعا من العلاقة بين المناخ وطبائع الشعوب حيث ذكر أن سكان البلاد الأوروبية الباردة شجعان ولكن تنقصهم الهمة لذلك يخضعون للقوي، أما سكان آسيا فهم حكماء مهرة ولكن يعوزهم الحماس لذلك فهم يرحبون بحياة الذل والعبودية أما الإغريق فنظرا لأنهم يعيشون في إقليم يقع في مركز متوسط بين الشمال والجنوب فهم يجمعون بين فضائل أهل الشمال أوروبا وأهل آسيا.
وقد اهتم كثير من الكتاب والفلاسفة المسلمين بدراسة العلاقة بين البيئة وصفات البشر الجسمانية والعقلية ولعل أبرزهم ابن خلدون في مقدمته المشهورة "مقدمة ابن خلدون"، والمسعودي في كتابه "مروج الذهب" والقزويني في "عجائب المخلوقات" ... ولعل الفيلسوف المؤرخ عبد الرحمن ابن خلدون "1382-1405" ميلادية هو أفضل من تناول علاقة السكان بالبيئة في منهج واضح ومحدد ومفصل بل إنه يتفوق في هذا المجال على كتاب عصر النهضة في أوروبا1 وذلك لأنه ربط بين حوادث التاريخ وحقائق الجغرافيا محددا العوامل التي تؤدي إلى قيام الحضارة وازدهارها وتلك التي تؤدي إلى تدهورها -وقد تحدث الباب الأول من المقدمة "عن