الرسوخ فيه، وهو معنى هذه المرتبة بادروا إلى الانقياد والإيمان حين عرفوا من علمهم أن ما جاء به موسى عليه السلام حق ليس بالسحر ولا الشعوذة، ولم يمنعهم من ذلك التخويف ولا التعذيب الذي توعدهم به فرعون وقال تعالى1: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} فحصر تعقلها في العالمين. وهو قصد الشارع من ضرب الأمثال، وقال2: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} ثم وصف أهل العلم بقوله3: {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّه} إلى آخر الأوصاف وحاصلها يرجع إلى أن العلماء هم العاملون وقال في أهل الإيمان -والإيمان من فوائد العلم- {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُم} 4 إلى أن قال5: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} . ومن هذا قرن العلماء في العمل بمقتضى العلم بالملائكة الذين {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون} 6 فقال تعالى7: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} فشهادة الله تعالى وفق علمه ظاهرة التوافق إذ التخالف محال وشهادة الملائكة على وفق ما علموا صحيحة لأنهم محفوظون من المعاصي وأولو العلم أيضًا كذلك من حيث حفظوا بالعلم، وقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- إذا نزلت عليهم آية فيها تخويف أحزنهم ذلك وأقلقهم حتى يسألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- كنزول آية البقرة8: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوه} الآية وقوله9: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْم} الآية، وإنما القلق والخوف من آثار العلم بالمنزل والأدلة أكثر من إحصائها هنا وجميعها يدل على أن العلم المعتبر هو الملجئ إلى العمل به، فإن قيل هذا غير ظاهر من وجهين:
أحدهما: أن الرسوخ في العلم، إما أن يكون صاحبه محفوظا به من المخالفة أو لا؛ فإن لم يكن كذلك فقد استوى أهل هذه المرتبة مع من قبلهم ومعناه أن العلم بمجرده