أمير المؤمنين أما تذكر إذ كنت أنا وأنت في الإبل فاجتنبنا، فأما أنا فتمرغت كما تمرغ الدابة، وأما أنت فلم تصل، فذكرت ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إنما يكفيك هكذا" وضرب بيديه الأرض فمسح بها وجهه وكفيه. فقال له عمر: "اتق الله يا عمار" فقال: "إن شئت لم أحدث به" فقال: "بل نوليك من ذلك ما توليت" فهذه سنة شهدها عمر، ثم نسيها، حتى أفتى بخلافها، وذكره عمار فلم يذكر، وهو لم يكذب عمارًا، بل أمره أن يحدث به. وأبلغ من هذا أنه خطب الناس فقال: "لا يزيد رجل على صداق أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- وبناته إلا رددته" فقالت امرأة: "يا أمير المؤمنين! بل تحرمنا شيئًا أعطانا الله إياه؟ ثم قرأت: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} 1. فرجع عمر إلى قولها، وقد كان حافظًا للآية ولكن نسيها. وكذلك ما روي عن عليًّا ذكر الزبير يوم الجمل شيئًا عهده إليهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكره حتى انصرف عن القتال، وهذا كثير في السلف والخلف.
السبب السادس:
عدم معرفته بدلالة الحديث، تارة لكون اللفظ الذي في الحديث غريبًا عنده، مثل لفظ: المزابنة، والمحاقلة، والمخابرة، والملامسة، والمنابذة، والغرر إلى غير ذلك من الكلمات الغريبة التي قد يختلف العلماء في تفسيرها2، وكالحديث المرفوع3: "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق". فإنهم قد فسروا الإغلاق بالإكراه ومن يخالفه لا يعرف هذا التفسير وتارة لكون معناه في لغته وعرفه غير معناه في لغة النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يحمله على ما يفهمه في لغته، بناء على أن الأصل بقاء اللغة كما سمع بعضهم آثارًا في الرخصة في النبيذ فظنوه بعض أنواع المسكر لأنه لغتهم وإنما هو ما ينبذ لتحلية الماء قبل أن يشتد فإنه جاء مفسرًا في أحاديث كثيرة صحيحة، وسمعوا لفظ الخمر في الكتاب والسنة فاعتقدوه عصير العنب المشتد خاصة بناء على أنه كذلك في اللغة، وإن كان قد جاء من الأحاديث أحاديث صحيحة تبين أن الخمر اسم لكل شراب مسكر وتارة لكون اللفظ