21- بيان أن تحمل الأخبار على الكيفيات المعروفة من ملح العلم لا من صلبه وكذا استخراج الحديث من طرق كثيرة:

قد بين ذلك الإمام أبو إسحاق الشاطبي رحمه الله تعالى في موافقاته1 بقوله في أقسام ما كان من ملح العلم:

"الثاني: تحمل الأخبار والآثار على التزام كيفيات لا يلزم مثلها، ولا يطلب التزامها كالأحاديث المسلسلة التي أتى بها على وجوه ملتزمة في الزمان المتقدم على غير قصد، فالتزمها المتأخرون بالقصد فصار تحملها على ذلك القصد تحريا له، بحيث يتعنى في استخراجها، ويبحث عنها بخصوصها مع أن ذلك القصد لا ينبني عليه عمل، وإن صحبها العمل؛ لأن تحلفه في أثناء تلك الأسانيد لا يقدح في العمل بمقتضى تلك الأحاديث كما في حديث: "الراحمون يرحمهم الرحمن ... " فإنهم التزموا فيه أن يكون أول حديث يسمعه التلميذ من شيخه فإن سمعه منه بعد ما أخذ عنه، لم يمنع ذلك الاستفادة بمقتضاه، وكذا سائرها غير أنهم التزموا ذلك على جهة التبرك، وتحسين الظن خاصة وليس بمطرد في جميع الأحاديث النبوية أو أكثرها حتى يقال إنه مقصود فطلب مثل ذلك من ملح العلم لا من صلبه.

"والثالث: التأنق في استخراج الحديث من طرق كثيرة لا على قصد طلب تواتره، بل على أن يعد آخذا له عن شيوخ كثيرة من جهات شتى وإن كان راجعًا إلى الآحاد في الصحابة والتابعين أو غيرهم فالاشتغال بهذا من الملح لا من صلب العلم خرج أبو عمر بن عبد البر عن حمزة بن محمد الكناني قال: خرجت حديثا واحدًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من مائتى طريق أو من نحو مائتى طريق شك الراوي، فداخلني من ذلك من الفرح غير قليل وأعجبت بذلك فرأيت يحيى بن معين في المنام فقلت له: يا أبا زكرياء قد خرجت حديثًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من مائتى طريق، قال فسكت عني ساعة ثم قال: أخشى أن يدخل هذا تحت: "ألهاكم التكاثر"، هذا ما قال وهو صحيح في الاعتبار لأن تخريجه من طرق يسيرة كاف في المقصود منه فصار الزائد على ذلك فضلًا. ا. هـ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015