رجلًا من كبار العلماء، وحادثه ساعة من الزمان فكيف إذا استطاع أن يقيم معه، ويحادثه مدة حياته؟ وهكذا من نظر في كتب الحديث فهو محادث للنبي -صلى الله عليه وسلم- ومطلع على هديه وأخباره كما لو ساكنه، وعاشره وشافهه وما أقربه وأيسره لمن روى تلك الكتب ودراها ولذلك قال الترمذي عن سننه: "من كان في بيته فكأنما في بيته نبي يتكلم"، وهكذا يقال في بقية الجوامع الحديثية فاعلم ذلك
وما أرق ما قاله الوزير لسان الدين بن الخطيب في مقدمة كتابه: "الإحاطة في أخبار غرناطة"، ولولا ذلك لو يشعر آت في الخلق بذاهب، ولا اتصل بغائب فماتت الفضائل بموت أهليها، وأفلت نجومها عن أعين مجتليها فلم يرجع إلى خبر ينقل، ولا دليل يعقل، ولا سياسة تكتسب، ولا أصالة إليها ينتسب فهدى سبحانه وألهم، وعلم الإنسان بالقلم ما لم يكن يعلم حتى ألفينا المراسم قائدة، والمراشد هادية والأخبار منقولة والأسانيد موصولة والأصول محررة والتواريخ مقررة والسير مذكورة والآثار مأثورة والفضائل من بعد أهلها باقية والمآثر قاطعة شاهدة كأن نهار القرطاس وليل المداد ينافسان الليل والنهار في عالم الكون والفساد، فمهما طويا شيئا ولعا بنشره أو دفنا ذكرًا دعوا إلى نشره.