خامس في الإسلام هو "المذهب الجمالي"، كان ممكنًا أن يؤدي به إلى أعماق السجون أو إلى أبعد المنافي.

أضف إلى ذلك أن الاجتهاد يعني الحرية، وكلمة "الحرية" بمختلف أشكالها وألوانها، بما في ذلك الحرية الدينية، كانت تأباها سياسة الدولة، وتحاربها دون هوادة أو رحمة.

ولئن كانت هذه الحادثة قد مرت دون أن تؤثر على حياة القاسمي، إلا أنها تركت آثارًا كبرى في طرائقه في الإصلاح، والتأليف والدعوة والإرشاد.

ووقعت حادثة أخرى كانت أخف من الأولى وقعًا: ذلك أنه في 8 من صفر 1326 - 19 آذارأيار 1908 فتشت كبته بالرسدة في الجامع، وفي حجرته بالدار. وبقيت الكتب التي أشتبه بها وصودرت حتى 18 ربيع الآخر 1326 - 19 إيار 1908 وأعيدت1.

ثم يعلن استئناف الحياة الدستورية في المملكة العثمانية، فينتهج مع الأحرار، ويرى أن فجر عصر جديد قد آذن بالانبلاج.

ولكن الواقع يكذب هذه الآمال، ويتضح أن الأتراك قبل الدستور كانوا أرحم من الأتراك بعد الدستور، فلم تكد تمضي سنة وبعض السنة، على إعلان الحرية، حتى يدعى القاسمي أمام قاضي التحقيق بدمشق ليستجوب عن التهم التي تضمنها إدعاء الحق العام عليه وهي: "أن جمعية النهضة السورية لم تنشأ إلا بتشويقه، هو والشيخ عبد الرزاق البيطار، وأنهما من أركانها، وأنها فرع لجميعات في البلاد كاليمن ونجد، وأنها تطلب الاستقلال الإداري، وتريد تشويش الأمور الداخلية بطلب حكومة عربية، وأن لهم مكاتبات مع أمراء نجد ومواصلات، وكذلك مع المتمهدي في اليمن، وأن الشيخ طاهرا المغربي هو المحرض للمتمهدي على القيام لأنه مغربي. وما مذهب الوهابية، وكما عدتهم في الشام.. إلى نحو ذلك"2.

وإذا كنا لا نعرف عن هذه الحاديثة التاريخية الكبرى أكثر من هذه الأسطر، لفقدان إضبارتها، ولأن الأحياء الذين عاصروها لا يذكرون عنها شيئًا، فإن في هذه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015