وَالْإِغْمَاءُ وَالنَّوْمُ وَالْجُنُونُ أَسْبَابٌ لِزَوَالِ التَّكَالِيفِ وَنُفُوذِ التَّصَرُّفِ، فَإِذَا زَالَتْ حَصَلَ التَّكْلِيفُ، وَنَفَذَ التَّصَرُّفُ، وَكُلَّمَا عَادَ النَّوْمُ أَوْ الْإِغْمَاءُ أَوْ الْجُنُونُ زَالَ التَّكْلِيفُ بِزَوَالِ عِلَّتِهِ، وَكَذَلِكَ يَثْبُتُ التَّصَرُّفُ بِحُصُولِ الْمِلْكِ وَيَزُولُ بِزَوَالِهِ، وَكَذَلِكَ أَحْكَامُ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ السَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ وَالذِّكْرِ وَالنِّسْيَانِ، وَكَذَلِكَ وُجُوبُ الْعِصْمَةِ بِالْإِيمَانِ، وَزَوَالُهَا بِالْكُفْرِ، وَكَذَلِكَ تَزُولُ وِلَايَةُ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ وَالْحَاكِمِ بِفُسُوقِهِمْ، فَإِنْ عَادُوا إلَى الْعَدَالَةِ عَادَ الْأَبُ إلَى وِلَايَتِهِ دُونَ الْوَصِيِّ وَالْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ فُسُوقَ الْأَبِ مَانِعٌ، وَفُسُوقَ الْوَصِيِّ وَالْحَاكِمِ قَاطِعٌ.
وَكَذَلِكَ مَوَانِعُ وِلَايَةِ النِّكَاحِ فِي حَقِّ الْأَوْلِيَاءِ تَرْفَعُ الْوِلَايَةَ بِزَوَالِهَا وَتَعُودُ بِارْتِفَاعِهَا، وَقَدْ شُرِعَ الرَّمَلُ فِي الطَّوَافِ لِإِيهَامِ الْمُشْرِكِينَ قُوَّةَ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ وَالرَّمَلُ مَشْرُوعٌ إلَى يَوْمِ الدِّينِ.
وَمِثْلُ هَذَا لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ فَرْعٌ لِفَهْمِ الْمَعْنَى، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَلَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مَعَ زَوَالِ السَّبَبِ تَذْكِيرًا لِنِعْمَةِ الْأَمْنِ بَعْدَ الْخَوْفِ لِنَشْكُرَ عَلَيْهَا، فَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ بِذِكْرِ نِعَمِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ وَمَا أَمَرَنَا بِذِكْرِهَا إلَّا لِنَشْكُرَهَا.
(فَائِدَةٌ) : إذَا خَلَفَ الْعِلَّةَ عِلَّةٌ مُوجِبَةٌ حُكْمَ الْأُولَى اسْتَمَرَّ الْحُكْمُ، كَمَا لَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ سَفِيهًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ مَجْنُونًا.
الضَّابِطُ أَنَّ اخْتِلَالَ الشَّرَائِطِ وَالْأَرْكَانِ إذَا وَقَعَ لِضَرُورَةٍ أَوْ حَاجَةٍ فَإِنْ لَمْ يَخْتَصَّ وُجُوبُهُ بِالصَّلَاةِ كَالسِّتْرِ فَإِنْ كَانَ فِي قَوْمٍ يَعُمُّهُمْ الْعُرْيُ فَلَا قَضَاءَ