فَعَفَا عَنْ غَالِبِهَا لِمَا فِي اجْتِنَابِهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ الْغَالِبَةِ، وَآخَذَ بِنَادِرِهَا؛ لِانْتِفَاءِ الْمَشَقَّةِ الْغَالِبَةِ، فَإِنَّا نُفَرِّقُ بَيْنَ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَالْبَثَرَاتِ، وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا مِنْ النَّجَاسَاتِ النَّادِرَاتِ، وَكَذَلِكَ نُفَرِّقُ بَيْنَ فَضْلَةِ الِاسْتِجْمَارِ لِغَلَبَةِ الِابْتِلَاءِ بِهَا، وَبَيْنَ غَيْرِهَا مِنْ النَّجَاسَاتِ.
فَالضَّرُورَاتُ مُنَاسِبَةٌ لِإِبَاحَةِ الْمَحْظُورَاتِ جَلْبًا لِمَصَالِحِهَا، وَالْجِنَايَاتُ مُنَاسِبَةٌ لِإِيجَابِ الْعُقُوبَاتِ دَرْءًا لِمَفَاسِدِهَا، وَالنَّجَاسَاتُ مُنَاسِبَةٌ لِوُجُوبِ اجْتِنَابِهَا، وَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ طَهَارَةِ الْأَحْدَاثِ وَأَسْبَابِهَا، إذْ كَيْفَ يُنَاسِبُ خُرُوجُ الْمَنِيِّ مِنْ الْفَرْجِ أَوْ إيلَاجِ أَحَدِ الْفَرْجَيْنِ فِي الْآخَرِ أَوْ خُرُوجِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ لِغُسْلِ جَمِيعِ أَعْضَاءِ الْبَدَنِ، وَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ الْمَسِّ وَاللَّمْسِ وَخُرُوجِ الْخَارِجِ مِنْ إحْدَى السَّبِيلَيْنِ لِإِيجَابِ تَطْهِيرِ الْأَرْبَعَةِ مَعَ الْعَفْوِ عَنْ نَجَاسَةِ مَحَلِّ الْخُرُوجِ، وَلَا لِلْمَسْحِ عَلَى الْعَمَائِمِ وَالْعَصَائِبِ وَالْجَبَائِرِ وَالْخِفَافِ، وَكَذَلِكَ لَا مُنَاسَبَةَ؛ لِأَسْبَابِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ لِإِيجَابِ مَسْحِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بِالتُّرَابِ، بَلْ ذَلِكَ تَعَبُّدٌ مِنْ رَبِّ الْأَرْبَابِ وَمَالِكِ الرِّقَابِ الَّذِي يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، وَمَا أَشْبَهَ هَذِهِ الْأَسْبَابَ بِالتَّوْقِيتِ.
وَالْأَصْلُ أَنْ تَزُولَ الْأَحْكَامُ بِزَوَالِ عِلَلِهَا فَإِذَا تَنَجَّسَ الْمَاءُ الْقَلِيلُ ثُمَّ بَلَغَ قُلَّتَيْنِ زَالَتْ نَجَاسَتُهُ؛ لِزَوَالِ عِلَّتِهَا، وَهِيَ الْقُلَّةُ، وَلَوْ تَغَيَّرَ الْكَثِيرُ ثُمَّ أُزِيلَ تَغَيُّرُهُ طَهُرَ؛ لِزَوَالِ عِلَّةِ نَجَاسَتِهِ، وَهِيَ التَّغَيُّرُ، فَإِذَا انْقَلَبَ الْعَصِيرُ خَمْرًا زَالَتْ طَهَارَتُهُ، فَإِذَا انْقَلَبَ الْخَمْرُ خَلًّا زَالَتْ نَجَاسَتُهَا، وَكَذَلِكَ الصِّبَا وَالسَّفَهُ