يُخَلَّدُ مَنْ هَذَا شَأْنُهُ فِي الْحَبْسِ عَلَى مَا لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ وَلَا يُمْكِنُهُ الِانْفِصَالُ مِنْهُ؟ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إذَا أَدَّى قَدْرًا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْغَلَبَةِ وَجَبَ إطْلَاقُهُ، وَهَذَا قَرِيبُ الْمَذْهَبِ.
الثَّالِثُ: إنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ بِاخْتِيَارِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي النَّاسِ أَنَّهُمْ لَا يَلْتَزِمُونَ مَا لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ وَهَذَا بَعِيدٌ، فَإِنَّ الْفُقَرَاءَ يَلْتَزِمُونَ الْأُجُورَ وَالْمُهُورَ وَالْأَثْمَانَ مَعَ عَجْزِهِمْ عَنْهَا. الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ أَحْوَالِ مُدَّعِي الْإِعْسَارَ أَنْ يُعْهَدَ لَهُ مَالٌ نَاقِصٌ عَنْ مِقْدَارِ الْحَقِّ الَّذِي لَزِمَهُ فَيُحْبَسُ عَلَيْهِ وَفِي حَبْسِهِ عَلَى مَا رَوَاهُ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَالِ الثَّانِيَةِ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي بِهِ نَزْرًا يَسِيرًا، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَفِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُطْلَقُ الْأَصْلُ.
وَالثَّانِي: يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا الْتَزَمَهُ وَبَيْنَ مَا لَزِمَهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَلَا يَجِيءُ
الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ إذْ لَا غَلَبَةَ.
الْحَالُ الرَّابِعَةُ إنْ ثَبَتَ عُسْرُهُ فَلَا يَجُوزُ حَبْسُهُ حَتَّى يَثْبُتَ يَسَارُهُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ عُسْرَتِهِ، وَأَنَّهُ إنْ اكْتَسَبَ شَيْئًا صَرَفَهُ فِي نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ مَنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ. فَإِنْ قِيلَ: تُخَلِّدُونَ مَجْهُولَ الْحَالِ فِي الْحَبْسِ إلَى أَنْ يَمُوتَ؟ قُلْنَا الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُخَلَّدُ وَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَبْعَثَ عَدْلَيْنِ يَسْأَلَانِ عَنْ أَمْرِهِ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِمَا فَقْرُهُ شَهِدَا بِذَلِكَ وَوَجَبَ إطْلَاقُهُ؛ إذْ لَا يَلِيقُ بِالشَّرِيعَةِ السَّهْلَةِ السَّمْحَةِ أَنْ يُخَلَّدَ الْمُسْلِمُ فِي الْحَبْسِ بِظَنٍّ ضَعِيفٍ، وَإِنَّمَا يُخَلَّدُ فِي الْحَبْسِ مَنْ ظَهَرَ عِنَادُهُ وَإِصْرَارُهُ عَلَى الْبَاطِلِ إلَى أَنْ يَفِيءَ إلَى الْحَقِّ.
وَأَمَّا الْمَحْبُوسُ عَلَى الْقِصَاصِ فَإِنَّهُ يُخَلَّدُ فِي الْحَبْسِ إلَى أَنْ يَمُوتَ؛ حِفْظًا لِحَقِّ