وولّاه الناصر لدين الله أبو العباس أحمد- رضوان الله عليهم- حسبة بغداد وأنعم عليه إنعاماً عظيماً ورزق منه حظاً شاملاً؛ فلما توفي الناصر وتولّى الإمام الظاهر بأمر الله أبو نصر محمد- رضي الله عنه- لم يغيّر عليه شيئاً مما كان عليه. فحينئذ انقرضت أيام الظاهر بأمر الله- تغمده الله برحمته ورضوانه- عن مدّة قريبة، وتولّى الإمام المستنصر بالله أبو جعفر المنصور- رضي الله عنه- زيد في إكرامه، وارتفعت منزلته لديه. وأنفذه إلى عدّة جهات رسولاً، فحصل له بذلك الترسل أموال جمّة، ونعمة طائلة؛ فلما توفي المستنصر بالله- رضي الله عنه- وتولّى المستعصم بالله أبو أحمد عبد الله بن المستنصر- خلد الله دولته- ولّاه أستاذ داريّة الدار.

وكان واعظاً حسناً عالماً بالتفسير والحديث فقيهاً مدرساً مفتياً على مذهبه شاعراً مسهباً غزير الشعر مقتدراً على إنشائه؛ ولم [يمدح] أحداً من الناس غير الخلفاء- صلوات الله عليهم اجمعين-.

كنت ببغداد أيام مدّة إقامتي بها، وحضرت مجلس وعظه بباب بدر عدّة مرات. وكان ينشد عقيب المجلس قصيدة طويلة من نظمه مديحاً في الخليفة يختم بها مجلس الوعظ. ولم يعلق بحفظي من أشعاره شيء ولا اتفق لي الاجتماع به ولا الرواية عنه.

ثم بعد ذلك قدم إربل رسولاً من ديوان الخلافة إلى خوارزم شاه أبي المظفر مينكبرتي بن محمد بن تكش، فاجتمعت به بعد عوده من الرسالة بإربل في أواخر شعبان سنة سبع وعشرين وستمائة، وأجازني جميع مقولاته ورواياته وما يندرج تحت الإجازة، وكتب ذلك بخطه.

وسألته عن مولده، فقال: ولدت في ذي القعدة سنة ثمانين وخمسمائة. وذكر لي أنَّ له عدة مصنفات في المذهب والخلاف والوعظ والتفسير، وغير ذلك. ومن تصانيفه كتاب ((معادن الإبريز في تفسير الكتاب العزيز)).

وقرأ القرآن الكريم على أبي بكر الباقلاني للعشرة.

ومما قرأت عليه لنفسه من قصيدةٍ يمدح بها الناصر لدين الله أبا العباس أحمد بن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015