فإن لم يوافوا المستهام بنظرة ... وإلَّا على حال الحياة فما يبقى
إذا ما نأوا فالدَّهر يقطب وجهه ... وإن حضروا قد عاد مبتسماً طلقا
فلا تعذلوا المشتاق في فرط وجده ... إلى أن تلاقوا في الهوى كلفاً يلقى
فإن كنت ألقاكم فعيشي منعَّمٌ ... وإن غبتم عني فسحقاً له سحقا
وقد كنتم هدَّدتم الصَّبَّ بالنَّوى ... إلى أن حدا الحادي فصار النَّوى حقَّا
إذا ما وطئت الدَّار من بعد بعدهم ... تخيَّلت أنَّ النَّار أو حرَّها أرقى
فطوبى لعينٍ متِّعت بجمالكم ... وعينٌ نأت عنكم جديرٌ بأن تفقا
وأنشدني، قال: أنشدني من شعره: [من الطويل]
عسى يجمع الرَّحمن شملاً تفرَّقا ... ويشفى سقيم البعد بالوصل واللِّقا
فجسمي بنيران البعاد محرَّقٌ ... ودمعي من بعد القطيعة ما رقا
إذا لم يداو المستهام أحبَّتي ... فمن ذا يعانيه فقد شفَّه الشَّقا
نأيتم فأثواب السَّقام جديدةٌ ... عليه وثوب الصَّبر أضحى ممزَّقا
فمنُّوا على الصَّب المعنَّى بطيفكم ... فهيهات أن تبرا الصَّبابة بالرُّقى
إذا هاج تذكاري بساعة بيننا ... فغربت في شوقي إذا البدر شرَّقا
فقلبي عند الظَّاعنين مقيَّدٌ ... وقد كنت قبل البين ألفيه مطلقا
وأنشدني قال أنشدني لنفسه: [من الطويل]
سرى الطَّيف من نحو الحبيب مبشِّرا ... فصادف أجفاني جفت لذَّة الكرى
وقلبي مذ بانوا يحرِّقه الأسى ... فيا ليت لا كان الفراق ولا جرى
يخبِّرني أنَّ البعاد مباعدٌ ... وأنَّ عسير الوصل عاد ميسَّرا
فحيث وعى سمعي لما قال عائدي ... رأيت شفاي وجهه عاد مسفرا
ومن يبره طيفٌ ألمَّ بقربه ... فكيف إذا وافى الجمال بلا مرا
ولمَّا دنا لقياهم قال نأيهم ... إذا كنت تهوى البدر لا تنكر السُّرى
فقلت له: قد كان قلبي منزلاً ... أنيساً فبالهجران أصبح مقفرا
وأنشدني، قال: أنشدني قوله: [من الطويل]
عزيزٌ علينا أن نرى بعدكم شخصاً ... وقد كنتم الأدنى فأصبحتم الأقصى