وكان قبل ذلك حراميًا فتاكًا شجاعًا مقدامًا؛ يقطع الطريق، ويكثر الفساد، لا يخاف سطوة ملك ولا بأس سلطان، فحينئذ عظم بلاؤه، واستفحل أمره، أنفذ إليه الأمير معز الدين سنجر شاه بن غازي بن مودود بن زنكي صاحب الجزيرة العمرية من احتال عليه وأخذه غيلة، ثم قطع يده ورجله من خلال /172 أ/ فعند ذلك جادت قريحته بالشعر، ونظم منه شيئاً كثيراً، ورحل به إلى الناس مرتزقًا، وجلّ قوله في وصف الحروب والشجاعة والمراثي في يده ورجله، وما يتعلق بذلك من التفجع والتوجع.

أنشدني لنفسه إملاءً من لفظه وحفظه يمدح الصاحب الوزير العالم شرف الدين أبا البركات المبارك أحمد بن المبارك بن موهوب المستوفي الإربلي – رحمه الله تعالى-[من الكامل]

مزح النَّحسب دموعه دمائه ... وبكى وبكَّى النَّاس من بلوائه

لحلول حادثة جرت وقضيَّة ... حكم الإله عليه لا بخطائه

بانت يمين منه ثمَّ شماله ... من رجله فغدا أسير شقائه

يا ليت من يبغي لصاحب أسرة ... لكن وحرُّ النَّار في أحشائه

هوِّن على المظلوم بعض بلائه ... إن كنت يا ذل العذل من نصحائه

لو كنت تعلم ما يجنُّ جنانه ... لعلمت أنَّ العذل من إغرائه

لعب الغرام بقلبه فأذابه ... من حيث كان دواؤه من دائه

/172 ب/ في ماء مقلته ونار فؤاده ... عجب الأنام بناره وبمائه

هل مسعد لأخي غرام بدِّلت ... سرَّاؤه بالهمِّ من ضرَّائه

سلَّ الزَّمان عليه سيفًا قاطعًا ... فجلاه وأستجلاه يوم جلائه

يا قلب صبراً إنَّ دهرك هكذا ... أبداً يشوب نعيمه بشقائه

كنت الجليد لحمل كلَّ ملمَّة ... هاض الزَّمان تجلُّدي بدهائه

قلَّ الحياء مع الوفاء فلن أرى ... متخلِّقاً بحيائه ووفائه

إلاَّ أبا البركات ذا الطَّول الَّذي ... غمر الأنام بفضله وعطائه

مولى له من جود راحة كفَّة ... كرم خفاء الشَّمس دون خفائه

وفتى بنى فوق المجَّرة منصبًا ... عال يرى كيوان دون علائه

فعلوُّه بالكسب من أحواله ... وسماحه بالإرث من آبائه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015