الأقدار، ويستسرّ لأنوارها الأقمار، وتتوجه الوجوه والنيات إلى كعبة كرمها، ويحلّ الرجاء بأرجاء حرمها، وتترفع الأقدار باستنزال ديم فضلها ونعمها ليسترجع الخادم بصره وبصيرته منها بنطره، ويشم لما حلَّ حالة من سماء إحسانها ديمة ثَّرة، ويرد بحر كرمها الذي يقذف بدر الأنعام من معدنها، وتأخذها بقوة، ويأمر قومة أن يأخذوا بأحسنها، ويشافه /217 ب/ بالدعاء والإخماد والإبتهال إلى الله تعالى، في أن يمدّ ظلّ سلطانها على العباد والبلاد، وأن يمتع الخليقة منه بتلك الخليقة، التي هي ألذّ في الأجفان وأندى على الأكباد، ويفوز بخدمة المجلس التي هي مادة أنسه، وراحة نفسه، ومشاهدة محيّاه الذي له فيه مغًنى عن قمره وشمسة، فإنَّ مسألة الشوق إليه قد أخذت بحقّها، ومسافة الصبر قد الجأته إلى أضيق طرقها. وكيف به لو أعارته الريح إليه جناحاً؟ أو لو زويت له الأرض فغدا على خدمته غدّواً ورواحاً؟ وسطرها ونفسه تعد، ويده من حجلة التأخر ترتعد. وما يدري بماذا يعتذر؟ ولا ماذا ينظر وينتظر؟ غير أنَّ نفسه واثقة بأنَّ سلطاننا - خلّد الله ملكه - شريف الطبع، كريم الصنع. لا يناقش في هذا الحساب، ولا ينافس إلاَّ في الثواب، وأنَّة إلى عادته في الأحسان أجنح، وأنَّ سجاياه الشريفة أندى وأسجح، ملكَّه الله الليالي خولاً، والأيام /218 أ/ عبيداً، وجدّد له في كل يوم جديد ملكًا جديداً، وأغنى الدنيا به عمَّن سواه كما أغنى جار البحر عن [أن] يتيمم صعيداً، وحرس نعمة المولى وأبقاها، وضاعف له أسباب السعادة وأولاها، وعطف على مكارم أخلاقه أعنَّة الثناء وثناها - إن شاء الله تعالى –".
ومما كتبة إلى السلطان الملك الناصر صلاح الدين عزَّ نصره - بعد عوده من مصر، وقد بلغة عتب منه بانقطاع كتبة عنه:
"أعز الله سلطان المقرّ الأشاف الأعظم السلطاني، وزاده اقتداراً وأعقبه ظفراً وانتصاراً، وأوسع الدنيا بملكه افتخاراً، وحاطه بمعقباته