يتزيّا بزي المغاربة، وإذا نطق بالقاف جعلها كافًا. وكان خفيف الرأس، ناقص العقل، مبدّد الأحوال، سوداوي المزاج، تعتريه السوداء، ذا هوج وسرعة غضب، وربما أفضى به ذلك إلى ضرب من ضروب الجنون. وكان يسرف في المزاج والمداعبة.

/221 أ/ إنسان سوء، قلَّ أن سلم أحدٌ من شرِّه ولسانه، وقد جعل هجيراه الوقيعة في أعراض الناس وتلقيبهم، ولم يترك أحدًا من الأماثل بحلب إلَّا وأظهر له لقبًا ونبزه به. يفعل ذلك على سبيل الإنبساط والمجانة، وكنت في بعض الأوقات ألومه على ذلك وأعنفه، فكان يقول لي: أنا أحبُّ اللعب والهزل.

وكان مع ذلك شديد الميل إلى المرد الصباح الوجوه، مغرًى بمعاشرتهم والاختلاط بهم. وكان يذهب مذهب الباشطاريًة، ويتعاطى الرُّجلة والشجاعة وركوب الخيل والمسابقة بها، وما نازعه أحدٌ في شيء ما إلاّ وشهر عليه سكينًا، وتوعّده بالفتك. وكان قد رفض جنب الله تعالى، ولم يخل في زمانه من هوًى يعلق بقلبه، ويستحوذ على ذهنه ولبّه، ويضمنه شرح أحواله، ويذكر ذلك في أقواله، ويصف ما يلقاه من تباريح الهوى، ويجده من شدّة الجوى، والشكوى والغرام، والصبابة والهيام، والجفاء والبعاد، والشوق والسُّهاد.

ولم يزل بالغلمان الملاح مشعوفًا، مستهترًا بهنَّ معروفًا؛ ذوي القدود الرشاق، والخصور الدقاق/ 221 ب/ والطور المصفَّفة، والوجنات المترَّفة، وميله إلى هوى نفسه، هو الذي أودى به إلى رمسه؛ لا جرم عاد عليه وباله، ومات أشنع موته، وخسر الدنيا والآخر.

وكان يظهر التدين، وفعل الخير، وباطنه بخلاف ذلك، وما ظهر لي منه، شهد الله تعالى ألاّ استقامة الأحوال، وسلوك السَّمت الحسن، حتّى خبِّرت أنَّه هوى صبيًا أمرد بالمدرسة العصرونَّية، وأحبهّ حبًا مفرطًا، والصبيُّ يكرمه، وينفق عليه، ويعاشره أجمل عشرة تكون بين الأصدقاء، ولم يعلم الصبيُّ ما في نفسه إلى ليلة من ليالي شهر رمضان، وهي الرابعة عشر [ة] منه بعد صلاة عشاء الآخرة، وثب على الصبيّ خلسًة فضربه بسكين كانت معه معدَّةً فجرحه ثلاث جراجات، فنزل شخص آخر من المدرسة المقيمين بها، فضربه ضربتين ثم انهزم وصعد إلى بيته الذي يسكن به في علوّ المدرسة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015