الشعر، وأنجب فيه، /204 ب/ وأحسن وأجاد، وفاق أقرانه نظمًا، وبذّهم في أنواع القريض وأجناسه تمكنًا ما شهد له أرباب هذا الشأن بالتقدّم فيه والاقتدار على ما يتوخّاه من المقاصد التي يرومها، والمحاسن التي يأتي بها.
شاهدته بحلب شابًا ذكيًا متيقظًا عاقلًا، أريبًا عفيفًا، نزهًا سريًا، جميلًا عارفًا بأقدار الناس، يتدين بمذهب الشيعة، من أحسن الناس عشرة، وأوفاهم توددًا ومروؤةً، وأسمحهم نفسًا. يخدم متصرفًا في الأعمال السلطانية. وسألته عن ولادته، فقال: ولدت في عاشر المحرم سنة إحدى عشرة وستمائة.
أنشدني لنفسه، وقد جاءه من العفيف أبي طالب بن صقر أبيات: [من الخفيف]
أنت في العلم فوق كلِّ عليهم ... يا ابن صقر من أبن عبد الرَّحيم
قد شأوت الفحول في حلبة الفضل ... وأنسيت ذكر كلِّ قديم
لك شعرٌ قد سار في سائر الا ... فاق ما الشَّام ما بلاد الرَّوم
لا تقس دعبلًا إليك ولا الطا ... ئيًّ والبحتريَّ وابن الرُّومي
أين منكً الرِّجال ما لهم مثـ ... ـــــلك نظمٌ كالجوهر المنظوم
/205 أ/ لو تقدَّمت في الزَّمان لقال الـ ... ــــــــقوم هذا أحقُّ بالتًّقديم
وأقرُّوا لدى جدالك بالعجز ... وفرُّوا منه إلى التَّسليم
أيُّها الفاضل الأديب عفيفة ... الدِّين والماجد الكريم الخيم
سفرت لي شمس النَّباهة في أر ... جاء ليل من الخمول بهيم
حين نوًّهت في قريضك باسمي ... وعلا منصبي وقدري وخيمي
أنت شرَّفتني بنظم قريض ... بت منه في مقعد ومقيم
خيفة الرَّدِّ والتَّردُّد فيه ... مفعمًا مقلتي من التَّهويم
يا أبا طالب تطلَّبت ما لم ... يك في خاطري ولا معلومي
لا تسمني ردًّ الجواب فما خا ... طر فيه سوى الخطير العظيم
درَّ درُّ الصَّدر النَّبيل شهاب الدِّ ... ين عمرو الإقدام غمر العلوم
إن تجرَّا على جوابك في الشِّعـ ... ـــــر لقد قام في مقام عظيم
أنا لولا خوفي وعيدك ما فهـ ... ـــــــــت بحرف على رويًّ الميم
لا تخف أن يعيب شعرك خلقٌ ... لن يعيب الصًّحيح غير السَّقيم