وصار فقيرًا، يلبس الصوف، وينتقل في البلاد ويخترقها.

شاهدته /149 أ/ بمدينة حلب؛ وهو شيخ، والفقر مؤثّر عليه، والحاجة قد مسَّته، والدَّهر قد أناخ عليه بكلكله، وله عيال، وهو على أشدّ ما يكون من الفقر والفاقة؛ وربما استجدى بأشعاره، وارتزق بها كبراء حلب، ويقنع منهم بالنزر الطفيف.

ورأيته من المدعين في معرفة الحديث وسماعه، ويقول المقطعات من الشعر، تلجئه إلى ذلك الحاجة والضرورة.

أنشدني لنفسه، وقد عمل أربعين حديثًا، وأهداها إلى بعض الملوك من بني أيوب:

[من الطويل]

وإنِّي في حملي كتابًا وضعته ... وأودعته النَّثر المفصَّل والشِّعرا

إلى ملك في العلم واحد عصره ... كمهد إلى شمس النَّهار سنى الشِّعرى

وأنشدني لنفسه، وقد اقترح عليه في هذا الرويّ والقافية، فعمل ذلك ارتجالاً:

[من الكامل]

أفديهم من نازحين وحبُّهم ... دان على مرِّ الزَّمان مخيِّم

إن لاح برق هاج لي تذكارهم ... فكأن نارًا في فؤادي أضرموا

أو هبَّت النسمات من واديهم ... وجَّهت وجهي نحوهم فأسلِّم

/149 ب/ يا مرسلين على البعاد تحيَّةً ... أحيوا بها ميت الجوى حييتم

من لي بليلات قصار باللِّوى ... ولَّت وسماري الأعزَّة أنتم

قسمًا بعقد عهودكم وودادكم ... ولقد محضت الصِّدق فيما أقسم

ما راق طرفي غيركم ومسامعي ... إلاَّ حديثكم إذا ما قلتم

ومن العجائب أنَّني أشتاقكم ... ومن العيان إلى الضَّمير نقلتم

وعلى دياركم تحيَّة ذاكر ... عصر الصِّبا الماضي بها وعليكم

وأنشدني لنفسه يمدح: [من الطويل]

ولمَّا أتى من نحو أرضكم الرَّكب ... ولم يأتني منكم سلام ولا كتب

ولا مبلغ في الوفد عنكم رسالًة ... يداوي بذكراها تباريحه الصَّبُّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015