وقال في الخلوة، فأنشدنيه: [من الطويل]
خلوت بمن أهوى فلم يك غيرنا ... ولو كان غيري لم يصحَّ وجودها
إذا أحكمت نفس شرط انفرادها ... فإن نفوس الخلق طرًّا عبيدها
ولو لم تكن في نفسها غير نفسها ... لجادت بها جودًا على من يجيدها
وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن العربي، قال: كنت أطوف بالبيت، فطار قلبي، وهزَّني حال أعرفه، فخرجت من البلاط من أجل الناس، وطفت على الرمل، وذلك بالليل، فحضرتني أبيات، فأنشدتها، أسمع بها نفسي ومن يليني، ولو كان هناك أحد، وهي: [من مشطور المديد]
ليت شعري هل دروا ... أيَّ قلب ملكوا؟
/141 ب/ وفؤادي لو درى ... أيَّ شعب سلكوا
أتراهم سلموا ... أم تراهم هلكوا؟
حار أرباب الهوى ... في الهوى وارتبكوا!
فلم أشعر إلاّ بضربة بين كتفيّ بكفٍّ ألين من الخز، فالتفت فإذا بجارية من بنات الروم، لم أر أحسن وجهًا، ولا أعذب منطقًا، ولا أرق حاشية، ولا ألطف معنًى، ولا أدق إشارة، ولا أظرف محاورة منها، قد فاقت زمانها ظرفًا وأدبًا، وجمالاً ومعرفة، فقالت: يا سيدي! كيف قلت؟ فقلت:
ليت شعري هل دروا ... أيّ قلبٍ ملكوا؟
فقالت: عجبًا منك، وأنت عارف زمانك، تقول مثل هذا! . ليس كل مملوك معروف، وهل يصح الملك إلاّ بعد المعرفة، وتمنّي الشعور يؤذن بعدمها، والطريق لسان صدق، فكيف يتجوز مثلك؟ قل يا سيدي، فماذا قلت بعده؟ فقلت:
وفؤادي لو درى ... أيّ شعبٍ سلكوا
فقالت: يا سيّدي! الشعب الذي بين الشعاب والفؤاد، وهو المانع / 142 أ/ له من المعرفة به، فكيف يتمنّى مثلك ما لا يمكن الوصول إليه؟ والطريق لسان صدق،