شكر وحشة، خاف منها على نفسه. وكان الملك العادل قد سيّره رسولًا إلى حلب المحروسة وإلى الديار الشرقية؛ وكان قد اتصل إلى والدي- رحمه الله- فلما ورد حلب، عرض عليه السلطان الملك الظاهر المقام بحلب، وضمن له أشياء، فأجابه إلى ذلك. وسار إلى الديار الشرقية لأداء الرسالة، وعاد إلى حلب، فأقام بها، وسير جواب الرسالة إلى الملك العادل. وولّاه الملك الظاهر مدرسة شاذبخت- رحمه الله-.

وحكى لي أنه؛ لما سيّره الملك العادل في هذه الرسالة، تلطف في طلب ... ، بألطف حيلة، وذلك أنه؛ قال: قد علم مولانا أنَّني قد تأهلت بحلب/ 216 أ/ وأنا أستخدم الإذن الكريم عند أهلي، عند قضاء شغل السلطان، فأذن له في ذلك، ظنًا منه أنه يقيم مدة ثم يعود.

ولم يزل بعد ذلك مقيمًا بحلب، إلى أن ولّى الملك الظاهر؛ افتخار الدين أبا هاشم عبد المطلب بن الفضل العباسي الهاشمي- رحمه الله- رئاسة أصحاب أبي حنيفة، فاستوحش لذلك، وترك منصبه، وسار إلى حماة. فأنزله الملك المنصور أبو المعالي محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب بها، وأكرمه وولاه المدرسة النورية بها.

ثم إنَّ الملك الظاهر- رحمه الله- طلب عوده من والدي- رحمه الله- فسار- وكنت صحبته إلى حماة- وأعاده إلى حلب المحروسة، إلى منصبه.

قرأت عليه الفقه على مذهب الإمام أبي حنيفة- رضي الله عنه- وشيئًا من الحديث. وسمعت منه أشياء من المذاكرة، وأجاز لي رواية مسموعاته ومروياته.

وكانت وفاته- رحمه الله- ليلة سبع وعشرين من شهر رمضان، من سنة أربع عشرة وستمائة فجأة. كان قد استدعى فقهاء المدرسة، في تلك الليلة على عادته في شهر رمضان للإفطار على مائدته، وأكلوا وخرجوا عنه. ثم صلّى العشاء الآخرة والتراويح، وسجد وحضرته الوفاة/ 216 ب/ فلم يتكلم بشيء؛ إلى أن مات، واستدعيت إليه، وهو في الحياة، فلم يزل إلَّا يسيرًا حتى مات، ودفن صبيحة تلك الليلة، بتربتنا بمقام إبراهيم- عليه السلام- إلى جانب والديَّ- رحمهما الله-.

قال القاضي- أيده الله تعالى- ومما أنشدني القاضي أبو عب الله لنفسه:

[من الطويل]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015