الدمشقي، وسافر الكثير، وسمع بدمشق الحافظ أبا القاسم علي بن الحسن الدمشقي، وقرأ عليه معظم تاريخ دمشق، وأبا المظفر مظفر بن أسعد بن الحكيم.
ثم اتصل بخدمة الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب- رضي الله عنه- وولي له أعمالًا، ثم من بعده بخدمة ابنه الملك العزيز عماد الدين عثمان- صاحب الديار المصرية- ثم انتقل بعد موته إلى حلب، وسكنها، واستخدمه الملك الظاهر غياث الدين غازي على قناة حلب، وأجرى له رزقًا حسنًا.
حدثني القاضي أبو القاسم- أيده الله تعالى- قال: كان أبو عبد الله يمتنع عن إسماع شيء من الحديث النبوي؛ فإنَّني فاوضته في ذلك مرارًا؛ فقال: أنا لا أستجيز رواية الحديث، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها)) الحديث .. وأرى المحدثين، يأخذون عن من لا يفهم شيئاً، وتقع منهم أوهام إلى أشياء من هذا القبيل؛ وباحثته في ذلك مرارًا، وهو مصرّ على ما سوّلت/ 203 ب/ له نفسه.
وسألته عن مولده، فقال لي: تقديرًا إلى هذا التاريخ ثمانون سنة؛ فإنني أدركت سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة؛ وكان سؤالي له في سنة إحدى وعشرين وستمائة؛ قال: وولدت ببغداد.
وتوفي بحلب في تاسع عشر جمادى الآخرة سنة ثمان وعشرين وستمائة، ودفن خارج باب النصر، في مقبرة مشهد الدعاء.
وأنشدني القاضي أبو القاسم- أيده الله تعالى- قال: أنشدني أبو عبد الله محمد بن المنذر، إملاءً من لفظه لنفسه، في الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب- رضي الله عنه-: [من الطويل]
بدت فرأيت البدر في حلَّة الصَّبا ... وماست فخلت الغصن ميَّله الصَّبا
وهزَّت قوامًا كالرُّدينيِّ وانثنت ... مغادرةً قلبي المعنَّى وقد صبا
وراشت نبالًا من جفونٍ وجرَّدت ... حسام لحاظٍ فلَّ صبري وما نبا
فساومتها وصلًا فقالت مجيبةً ... أخلت وصال الغانيات مسيَّبا
إذا ما طلبت الوصل منهنَّ لم تجد ... إلى ذهبٍ يومًا إلى ذاك مذهبا
وإن تك ذا مالٍ فأنت الَّذي إذًا ... نعيد بعيد الشَّيء منك مقرَّبا