وكان لما خرج من الحبس فقيرًا على أشدّ ما يكون من الفقر، واتسعت الحال؛ فكان يجتدي بشعره الأمراء، وأصحاب الولايات والمناصب.

وكتب إليّ لنفسه هذه الأبيات: [من الوافر]

بأيمن طالع وأجلِّ سعد ... قدمت فحلَّت الأفراح عندي

أجرني من لظى سجنٍ وضرٍّ ... يقطِّع بعضه أعلاق كبدي

فقد أصبحت حلف ضنًى وسقمٍ ... أكابد لوعتي في اللَّيل وحدي

أديم الأرض من تحتي فراشي ... وساعدي الوسادة تحت خدِّي

وأنت ذخيرتي يا خير مولًى ... عليه معوَّلي وإليه قصدي

فعاملني بعفوك لا بفعلي ... وهب لي زلَّتي بقديم ودِّي

وأنقذني بحقِّ إمام صدق ... أباد الكفر في بدر وأحد

شرابكم الرحَّيق وسلسبيلٌ ... وشربي الدَّمع ممزوجًا بدردي

وقد وافى الشِّتاء وليس عندي ... لردِّ البرد شيءٌ غير جلدي

فلا تعدل إلى مطلٍ ووعدٍ ... فأعذب ما يكون البرُّ نقدي

وأنشدني الصاحب أبو البركات/ 187 ب/ المبارك بن أحمد المستوفي الإربلي، قال: أنشدني أبو عبد الله محمد بن الحراني هذه الأبيات، وكتبها لي بخطه، وطلب مني أن أصلح منها ما فيها من خلل فأصلحته، وعملها في الأمير الكبير شهاب الدين أبي الوفاء قرطايا بن عبد الله المعظمي المظفري، يستعطفه لوالده- رحمهما الله تعالى-: [من الكامل]

يا صاح قد صاح الهزار وغرَّدا ... وشدا بألحان فأخرس معبدا

والزَّهر مبتسم الثُّغور فأبيضٌ ... يققٌ وأصفر ظلَّ يحكي العسجدا

مع أخضر يحكي الزَّبرجد ناصعٍ ... في جنب أحمر قد زها وتورَّدا

قد زانه بسواد آخر حالكٍ ... يحكي عذار مقرطقٍ لمَّا بدا

هذا وقد وشي الجميع بأزرقٍ ... شبه الأسنَّة لا ترى فيها صدا

في روضة فيحاء باكرها الحيا ... طورًا شاميًا وطورًا منجدا

ومدامة صفراءٍ تحسب كأسها ... ذهبًا وسمط الدُّر فيه منضَّدا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015