حدثني القاضي أبو القاسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة, قال: أخبرني من رآه أنه كان قليل العلم, وأنّ التصنيف بعيد منه, وكذلك قول الشعر, وكان يدعيه.
وقيل إنه استخدم جماعة يصنفون له التصانيف, وكان يأخذ نفسه بعلوم الأوئل والحكمة, وكان كردبازوه مولى أبيه قد استولى على منبهج, وحجر على ذرية والده الصغار, فافتتحها الملك المنصور في جمادى الآخرة سنة تسع وثمانين وخمسمائة, واستنقذها منه وأخرجه عنها.
أنشدني أبو بكر محمد بن نصر الله الدمشقي الشاعر, قال: أنشدني الملك المنصور لنفسه: [من الكامل]
قسما بمجدك إنه لعظيم ... ما العيش إلا القرقف المختوم
وسماع مطربة بلحن مطرب ... يصيبو إليه البابلي الريم
وأنشدني أيضًا بمحروسة حلب يوم الحادي والعشرين من جمادى الأولى سنة خميس وثلاثين وستمائة, قال انشدني الملك المنصور أبو المعالي لنفسه:
[من البسيط]
حيّا المنازل من قلبي صورانا ... حيًا بنا كرّرها سحًا وتهتانا
فهي الدّيار التى تحوى مرابعها ... من الكواعب أقمارًا أغصانا
كواعب بفنون من محاسينها ... تهز أعطافها بالدّل افنانا
فهل قدود دماها أم مثقفة ... تضحى لأسيافها الأجفان أجفانا
وما تريك بنودآ من ذوائبها ... حتى تربيك من الآلحاظ خرصانا
من كلّ سمراء في سمراء قامتها ... لدى تعطفها ما بخجل البانا
وللشباب جنى ورد بوجنتها ... ماء الحياء به كم شب نيرانا
وفوق غصن الّنقا من دعص قامتها ... إذ قام تحسب بدر التم هيفانا
تهز رمحا له من طرفها طرف فلا عدمناه فتاكًا وفتانا
خود غدا ردفها الريان ذا شبع ... لمّا غدا خصرها الظّان غرثانا