أبي المعالي محمد بن أبي بكر بن أيوب.
قدم بعد عوده من البلاد الخراسانية مدينة إربل، واتصل بسلطانها الملك المعظم مظفر الدين أبي سعيد كوكبوري. /156 ا/ ابن علي بكتكين –رضي الله عنه- قبالغ في إكرامه وانعم عليه إنعامًا عظيمًا. وصنف له كتابًا سماه: "كتاب التنوير في مولد السراج المنير" يتضمن ذكر ولاده النبي –صلى الله عليه وسلم- وشدّة شعفه بذلك، وإصغائه إليه. وذلك أنَّ الملك المعظم مظفر الدين –قدّس الله روحه- إنفرد بشيء ما سبقه أحدٌ إليه من الملوك الماضين، والخلفاء المتقدمين واختصّ به دونهم تبركًا بولادته –عليه السلام- فأنه كان يأمر بنصب القباب من الخشب متصَّلة منتظمة من الخانقاه التي تحت القلعة المحروسة إلى الخانقاه التي تقرب من دار السلطنة بالمدينة، منذ مستهل شهر صفر، وتزيَّن في العشرين منه بالات الثياب، وأنواع السلاح، والأقمشة الفاخرة، وتعلق فيها التعاليق، ويغني فيها المغنون وأرباب الطرب، ويقصدها الناس للتفرج من أقطار البلدان، فلم يزل كذلك ثاني عشر بيع الأول؛ وهو مولده –صلى الله عليه وسلم- ثم ترفع القباب ويخلع على الوعاظ. /156 ب/ والعلماء والقراء، ويخرج الصدقات على الفقراء والغرباء الواردين البلد من الصوفية وغيرهم من بلاد شتى، وينفق على ذلك أموالاً جمّة، ولم يسمع في قديم الزمان وحديثه من الملوك السالفة، والسلاطين الغابرة، من انتدب لهذا الأمر، وبالغ فيه سوى هذا السلطان الملك المعظم؛ فرضي الله عنه وأرضاه، وبلغه في آخرته ما يتمناه، وأجزل ثوابه، وأحسن منقلبه ومآبه بمحمد وآله أجمعين، الأبرار الطاهرين.
وهذا كتاب التنوير كنت احد من سمعه على الملك المعظم مظفر الديم –نوَّر اللخ ضريحه- في جمادى الآخرة سنة خمس وعشرين وستمائة برباط الصوفية المعروف برباط المناظرة، قريبًا من القلعة المنصورة، بحقَّ روايته عن مصنفة الإمام أبي الخطاب. وفي مقدمته هذه الأبيات يمدح بها الملك المعظم –رضي الله عنه-:
[من الكامل]
ملكٌ يلوح عليه من شمس الضُّحى ... سيما ومن بدر التَّمام مخايل
لا يقتني عزَّ الثَّنا ذخراً ولا ... يفني لديه المال إلاَّ النَّائل