وَبِهَذَا تعرف أَنه لَا حَاجَة إِلَى مَا قَالَه الشَّيْخ أَبُو الْفضل فِي آخر كَلَامه من قَوْله: " لصدق قَوْلنَا مَا دخل على الْملك إِلَّا الْوَزير، وَمن الْمَعْلُوم أَنه قد دخل مَعَه بعض خدمه ". لِأَن مثل هَذَا التشغيل لَا يُؤْكَل بِهِ الْكَتف، وَلَا ينفع فِي مقَام النزاع. وَمرَاده أَن بعض أَتبَاع الرُّسُل قد يدْخل مَعَه كَمَا دخل أَتبَاع الْوَزير مَعَه فيطلعهم الله على الْغَيْب كَمَا أطلع عَلَيْهِ من ارتضى من رَسُول.
وَهَذَا إِلْحَاق مَعَ فَارق أوضح من الشَّمْس، وَهُوَ كَونه رَسُولا، وَكَون الله ارْتَضَاهُ، وَلَا يُوجد ذَلِك فِي غير رَسُول.
وَلَيْسَ النزاع فِي دُخُول أَتبَاع الرَّسُول [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَآله وَسلم فِي قَوْله: " إِلَّا من ارتضى من رَسُول "، فمعلوم أَنه لَا دُخُول لَهُم فِي ذَلِك، لَكِن النزاع فِي أَن الرَّسُول هَل لَهُ أَن يطلع غَيره من أَتْبَاعه على مَا أطلعه الله عَلَيْهِ من علم الْغَيْب أم لَا؟ فَنحْن نقُول: لَا نسلم قَول من قَالَ إِنَّه لَا يجوز لَهُ، ونسند هَذَا الْمَنْع بِمَا قدمنَا ذكره وبأمثاله مَا لم نذكرهُ.
وَإِذا تبرعنا بالاستدلال على جَوَاز إطلاعه لبَعض أَتْبَاعه على مَا أطلعه الله عَلَيْهِ من علم الْغَيْب، فَنَقُول: عُمُوم قَوْله: " يأيها الرَّسُول بلغ مَا أنزل إِلَيْك ". وَلِهَذَا يَقُول الله عز وَجل: {وَإِن لم تفعل فَمَا بلغت رسَالَته} وَتقول عَائِشَة: " من زعم أَن مُحَمَّدًا كتم شَيْئا مِمَّا أوحاه الله إِلَيْهِ فقد أعظم على الله الْفِرْيَة " وَهُوَ فِي الصَّحِيح.