بِالْقَبْضِ. كَيفَ يَقع مِنْهُ التَّرَدُّد؟ وَهَذَا إِيرَاد وَارِد، فَإِنَّهُم لَا يعصون الله فِيمَا أَمرهم وَلَا يتراخون عَن إنجاز أمره سُبْحَانَهُ. ثمَّ انْظُر إِلَى سُقُوط مَا أجَاب من أَن الْملك مُتَرَدّد فِيمَا لم يحد لَهُ فِيهِ الْوَقْت. وَكَيف يُؤمر الْملك بِفعل غير مَحْدُود ثمَّ يُسَارع إِلَى فعله؟ ! .
أما قَوْله. كَأَن يُقَال لَهُ: لَا تقبض روحه إِلَّا إِذا رضى فَهُوَ مَعَ كَونه يبطل التَّأْوِيل بالمرة والكرة، لَيْسَ للْملك أَن يفعل إِلَّا مَا يرضى بِهِ العَبْد من قبض روحه أَو عَدمه، لِأَنَّهُ قد علق ذَلِك بِرِضَاهُ. وَحِينَئِذٍ لَا ينجز الْفِعْل إِلَّا عِنْد الرضى من العَبْد. والمفروض أَنه يكره الْمَوْت كَمَا نطق بِهِ هَذَا الحَدِيث الْقُدسِي. فَعِنْدَ أَن يعرف الْملك أَن العَبْد لَا يرضى بِقَبض روحه، مَا بَقِي إِلَّا الْإِمْهَال لَهُ حَتَّى يرضى، وَأَن يُخَالف الْوَقْت الْمَحْدُود لمَوْته.
وَحِينَئِذٍ ينفتح إِشْكَال أكبر من هَذَا الْإِشْكَال الَّذِي هم بصدد تَأْوِيله.
قَالَ فِي الْفَتْح: " ثمَّ ذكر ابْن الْجَوْزِيّ جَوَابا ثَانِيًا وَهُوَ احْتِمَال أَن يكون معنى التَّرَدُّد اللطف بِهِ كَأَن الْملك يُؤَخر الْقَبْض. فَإِنَّهُ إِذا نظر إِلَى قدر الْمُؤمن وَعظم الْمَنْفَعَة بِهِ لأهل الدُّنْيَا احترمه فَلَا يبسط يَده إِلَيْهِ، فَإِذا ذكر أَمر ربه تَعَالَى لم يجد بدا من امتثاله " انْتهى.
أَقُول هَذَا اللطف الَّذِي بنى عَلَيْهِ هَذَا الْجَواب لم يظْهر لَهُ أثر، وَلَا تبين لَهُ معنى، فَإِن الْملك وَإِن تردد فَهُوَ لَا محَالة سيقبض الرّوح فِي الْوَقْت الْمَحْدُود