وَلَا شكّ أَن مَا كَانَ بِهَذِهِ الْمنزلَة وعَلى هَذِه الصّفة من مشاعر الْإِدْرَاك أولى من غَيره مِنْهَا وأحق بالتقديم، مَعَ أَنه مشارك لِلْبَصَرِ فِي الْآيَات الكونية والعبر الخارجية بِوَجْه من الْوُجُوه. لِأَنَّهُ يصف الواصف لمن يسمع وَلَا يبصر مَا يُشَاهِدهُ فِي الْخَارِج فَيحصل لَهُ من الِاعْتِبَار والتفكر نصيب من ذَلِك. بِخِلَاف المبصر الَّذِي لَا يسمع فَإِنَّهُ لَا يُمكنهُ إِدْرَاك شَيْء من الْآيَات التنزيلية وَلَا من العبر القولية، وَلَا من الشَّرِيعَة الْمَشْرُوعَة للعباد من الرب سُبْحَانَهُ، وَمن نبيه [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَآله وَسلم، وَالله أعلم.
قَوْله: " وَإِن سَأَلَني لأعطينه " بِاللَّامِ وَالنُّون فِي آخِره. وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَة " وَلَئِن استعاذني لأعيذنه " وَزَاد فِي رِوَايَة عبد الْوَاحِد لفظ " عَبدِي " بعد " سَأَلَني ". وَفِي ضبط استعاذني وَجْهَان: الأول بالنُّون بعد الذَّال الْمُعْجَمَة وَالثَّانِي بِالْبَاء الْمُوَحدَة.
وَفِي حَدِيث أبي أُمَامَة " وَإِذا استنصرني نصرته " وَفِي حَدِيث أنس " وَإِذا نصحني نصحت لَهُ ".
وَفِي الحَدِيث دَلِيل على شُمُول النَّوَافِل للأقوال وَالْأَفْعَال، وَقد بَينا فِيمَا تقدم بعض مَا يدْخل تَحت لفظ النَّوَافِل، وَهِي كَثِيرَة جدا يضبطها أَن يُقَال: هِيَ كل مَا رغب الشَّرْع فِيهِ أَو وعد بالثواب عَلَيْهِ من غير حتم.
وَظَاهر الصيغتين أَعنِي قَوْله: " وَإِن سَأَلَني أَعْطيته، وَإِن استعاذني أعذته " الْعُمُوم. وَهُوَ فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة الَّتِي ذَكرنَاهَا أظهر لما فِيهَا من اللَّام الموطئة للقسم فيجاب لَهُ كل مطلب ويعاذ من كل مَا استعاذ مِنْهُ.
قَالَ ابْن حجر فِي الْفَتْح: " وَقد اسْتشْكل بِأَن جمَاعَة من الْعباد والصلحاء