وَأما قطرنا اليمني بَارك الله فِيهِ فغالب من توسع فِي الْعُلُوم وَأدْركَ من نَفسه ملكة الِاجْتِهَاد، الرُّجُوع إِلَى الدَّلِيل، وَيَرْمِي بالتقليد وَرَاء الْحَائِط ويلقى عَن عقنه قلادته.
عرفنَا هَذَا من شُيُوخنَا، وعرفوه من شيوخهم وعرفه الأول عَن الأول وعرفناه من أترابنا، والمرافقين لنا فِي الطّلب، بل غَالب الآخرين عَنَّا وهم الْعدَد الجم هم بِهَذِهِ الصّفة، وعَلى هَذِه الْخصْلَة المحمودة.
بل غَالب من كَانَ لَهُ إنصاف من الَّذين لم يكثر اشتغالهم بِالْعلمِ فِي دِيَارنَا هَذِه يصنع كَمَا كَانَ يصنع السّلف الصَّالح من الصَّحَابَة، وتابعيهم، وَمن بعدهمْ من عدم التقيد بالتقليد، والتعويل على سُؤال الْعلمَاء بِالْكتاب وَالسّنة عَن الدَّلِيل الرَّاجِح فيعملون بِهِ ويقفون عِنْده، وَلَا يبالون بِمَا يُخَالِفهُ مِمَّا عَلَيْهِ المقلدة، وصاروا منتسبين إِلَى السّنة المطهرة غير منتمين إِلَى مَذْهَب من الْمذَاهب، فَأَصَابُوا أصَاب الله بهم، وضاعف أجرهم، وَصرف عَنْهُم معرة المقلدة أَتبَاع كل ناعق.
وَقد عرفناك أَن هَؤُلَاءِ المقلدة ذموا مَا لم يعرفوه، وعابوا مَا لم يدروا بِهِ، وَهَذَا أَمر يستقبحه كل عَاقل، ويزري بِصَاحِبِهِ كل فاهم، فَإِن من تعرض للْكَلَام فِيمَا لَا يعرفهُ فَهُوَ جَاهِل من جِهَتَيْنِ:
الْجِهَة الأولى: كَونه لَا يعرف ذَلِك الشَّيْء.