الضيافة شيء زائد على مجرد الطعام، أن تستقبله بوجه حسن، وتشعره أن هذا بيته، ولا تجرحه بأي كلمة ولو تعريضاً، وأنت جالس على المائدة، مثلاً لا تقل: قال عليه الصلاة والسلام: (ما ملأ ابن آدم وعاءً قط شراً من بطنه) هذا حديث صحيح، ولكن هذا ليس مكان التحديث.
هذا يذكرني برجل دعي لعقد نكاح، فطلب منه بعض آيات الذكر الحكيم، فقرأ قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:230] ، وقرأ: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة:229] نعم صدق الله العظيم، ولكن البلاغة أن يكون الكلام على مقتضى الحال، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو أذكى وأعلم وأرحم الناس إذا أراد أن يعظ أصحابه موعظة جعل لها مناسبة، فيمشي مع أصحابه فيرى جدياً أسكاً مقطوع الأذن ميتاً ملقى على قارعة الطريق، فيقول: (من يشتري هذا؟ فيعجب الصحابة ويقولون: ومن يشتري هذا يا رسول الله؟ والله لو كان حياً ما اشتريناه -لأنه أسك مقطوع الأذن وهذا عيب فيه- فكيف وهو ميت، قال: والله للدنيا أهون على الله من هذا على أحدكم) فيختار مناسبة جيدة حتى يضمن أن الكلام قرع القلب.
إن كثيراً من آفات الذين يَدْعُون أنهم لا يراعون مقتضى حال المخاطب، يرى أن معاملات الناس خطأ، ومع ذلك يتكلم في القصص والحكايات التي لا علاقة لها بمشكلات الناس، لذا تسمع غطيط المصلين وهم يسمعون الخطبة، وترى الرجل ينظر في ساعته متضجراً متى ينتهي هذا الخطيب؟ فالخطيب في وادٍ واحتياج قلوبهم في وادٍ آخر.